حكى لي أحد كتابنا الكبار أنه كان في كندا منذ عدة سنوات، وتصادف وجوده مع إقامة معرض دولي تراثي هناك، وكان أن استقبله رئيس المعرض ليصحبه في جولة للتعرف على أهم الدول والمعروضات، وفي أثناء الجولة ألمح إليه بأنه سوف يجعله يتذوق واحدة من أجمل الأطعمة النباتية التي تذوقها بنفسه، فكانت المفاجأة أنه توجه به إلى جناح المدعوة إسرائيل، وأن الطعام المشار إليه هو الفلافل التي ادعى الرجل أن اسمها الفلافل الإسرائيلية، فما كان من كاتبنا الكبير إلا أن استهجن ذلك مشيرا إلى أن هذا الطعام مصري، وأنه طعام شعبي مشهور في مصر محاولا تصحيح المعلومة التي استغربها كما استهجنها.
المفاجأة الحقيقية التي أكمل بها كاتبنا الكبير حكايته أن رئيس المعرض قد ذهب إليه في اليوم التالي لكي يحكي له أنه قد ذهب إلى سفير تلك الدولة ليواجهه بما قال أديبنا المصري، وأن السفير قد رد عليه بأنها بالفعل أكلة مصرية كان يأكلها اليهود في أثناء قيامهم ببناء الهرم.
بالطبع ستكون مثل هذه الحكايات مضحكة لحد السخرية بالنسبة إلى كل مصري، لكن الحقيقة أنهم يرددونها بوصفها حقيقة، وأنهم يستمرون في ترديدها حتى يصدقها العالم، وأننا لا نفعل في مقابل ذلك سوى أننا نردد تصحيح مثل هذه المعلومات المغلوطة حد التزييف، نرددها بيننا ولا نهتم بمعرفة العالم بها.
في كل عام تشهد لجنة تسجيل العناصر التراثية باليونسكو عديدا من المعارك الثقافية بين الدول لتسجيل عناصر التراث اللامادي، وذلك لأهمية هذه العناصر ليس فقط على المستوى الثقافي، أو حتى على المستوى الاقتصادي حين تعد هذه العناصر موارد محتملة للدخل القومي، لكن أيضا على المستوى السياسي الاستراتيجي الذي يظهر في ربط الحكاية المزيفة للفلافل ببناء الأهرام.
ربما تكون الوفرة التي نشعر بها تجاه عناصرنا التراثية سببا في عدم إحساسنا بأهميتها الكبرى، فكثير من الدول لا تمتلك جزءا ضئيلا منها، ولهذا فهي تسعى لإثبات هذا الامتلاك ولو بالانتحال، ومنا من يقوم في المقابل بالتخلي عن تراثنا لآخرين ربما لأنه لا يشعر بأهمية ما يتخلى عنه أو لفائدة ما لا نراها، لكن الأمر منذ التخلي عن بعض آثارنا التي سافرت على كل أنحاء العالم ومتاحفه سيظل خطرا على مستقبل هذا البلد ومقدراته، هو الخطر الحقيقي الذي يجب الانتباه إليه والتصدي له، حتى لا نصحو في يوم ما على تاريخنا وقد تم تأويله لصالح أعدائنا.