كل من يظن أن الحرب فى غزة انتهت يعيش الوهم، فلا تزال النار مشتعلة، والاتفاق الذى تم عقده يواجه الكثير من الضغوط لإفشاله أو إنهائه بطريقة تعيد الحرب من جديد، من المفارقات التى كانت ولا تزال داخل إسرائيل، هناك انقسام ونقاش وتهديدات بالانسحاب ودعوة لاستكمال الحرب، وبالتالى فإن الاستعراضات المصورة لمراهقى النضال تبدو فى غير محلها، وتشير إلى أن هؤلاء الذين اختفوا طوال شهور عادوا للرقص على مشهد الخراب، فى وقت لا يزال الاتفاق هشا، بجانب عودة مخططات التهجير تحت مزاعم متنوعة، تعيد سيناريوهات تم رفضها على مدى شهور، والخطر يأتى من أن بعض هذه التصريحات تخرج من دائرة الرئيس الأمريكى ترامب بدعوى إخلاء للإعمار، وهى حجة سقطت طوال شهور، ونسفها تمسك سكان غزة بأرضهم ورفض الخروج، وإصرارهم على العودة إلى أطلال بيوتهم وعدم الاستماع إلى دعاوى وهمية.
سكان غزة هم من دفع الثمن، وهم من أفسد المخطط، وعلى هؤلاء الذين يتنافسون على غنائم وهمية أن يسرعوا بالاتفاق والتقارب والمصالحة حتى يمكن تخطيط أعمال سياسية، ومواجهة تحديات تبدو أصعب مما كان خلال الشهور الماضية، وهى تحديات قد لا تصلح لها استعراضات الكاميرات، بينما المنطقة نفسها تشهد على مدى الشهور الخمسة عشر تحولات تعيد صياغة، نسفت ثوابت وأطاحت بخطوط حمراء فى سوريا ولبنا وإيران، بما يجهز المنطقة لجولة أخرى تضاعف من حجم التحدى، وتكشف عن أطماع وسيناريوهات متعددة، وهى تحديات تفرضها حالة ضبابية ووضع ملتبس، خاصة مع تسلم الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، مهام منصبه الرئاسى، ويطلق تصريحات وبالونات اختبار يدعوا فيها دولا عربية لاستقبال سكان غزة حتى إعمارها، وهى مطالب سبق ورفضتها مصر بحسم من قبل، وترفضها الأردن وكل الدول العربية، ويرفضها الفلسطينيون الذين رفضوا مغادرة غزة وسط النار، وكانت مصر وهى تغلق المعبر وترفض التهجير تحمى الفلسطينيين من مخطط شيطانى، كان واضحا أنه بدأ من 7 أكتوبر 2023، وتضمن الكثير من المرفقات والإغراءات، والآن أهل غزة تأكدوا كيف كانت مصر تعرف جيدا مخطط التهجير، ورفضته ولا تزال تتمسك بالرفض ومسار الدولتين، وأن تكون هناك دولة فلسطينية، والآن بعد احتلال أراض سورية هناك مخطط آخر لتهجير الفلسطينيين إلى هناك بالتفاهم من يرى الاحتلال أنهم حلفاء.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لعب دورا فى إبرام الاتفاق الأخير لوقف الحرب، وضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أكثر مما فعل الرئيس السابق جو بايدن، الذى دعم الحرب بكل ما يملك، لكن الواقع أن ترامب هو أيضا يدعم إسرائيل بل إنه وافق على منح أسلحة كان بايدن قد أوقفها، ويتبنى ترامب مطالب اللوبى الإسرائيلى فى الحزب الجمهورى حول التهجير، بالرغم من أن هذه المخططات فشلت على مدى عقود، بجانب أن 143 دولة فى الأمم المتحدة أعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية، وهو ما يجعل الاتجاه الى إعادة سيناريو التهجير خطرا يهدد بتفجير المنطقة.
تحرص مصر من بداية الحرب على التمسك بثوابت فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، ورفض التهجير لخارج الأراضى، وعدم التهاون فيما يتعلق بالأمن القومى، وخطوطه المحددة، وتتمسك بأسس أمنها القومى، وتسعى للمصالحة الفلسطينية، التى تمثل ضرورة، بينما هناك أطراف داخل فلسطين ترى المصالحة خسارة لبعض الأطراف التى تتاجر بالقضية أو تعمل لحساب أجندات إقليمية أو دولية.
وبالرغم من أن سياسة مصر متوازنة فى ظل اضطراب ونار وصراعات حول حدودها الغربية والجنوبية والشرقية وانعكاساتها الاقتصادية، ومع هذا فإن مصر حاسمة فى مواجهة أى تهديد لأمنها القومى، وعلى رأسهم رفض التهجير، بل إن سكان غزة يفضلون العودة إلى أنقاض منازلهم التى دمرها الاحتلال على أن يغادروا مؤقتا أو بشكل دائم، تنفيذا لمخططات تكرر مأساة النكبة، وترفض مصر التهجير بحسم وخطوط حمراء.
مقال اكرم القصاص