أكرم القصاص

وحيد حامد وأحمد عدوية.. القوة الناعمة والوصية «المحفوظية»

الجمعة، 03 يناير 2025 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قد تكون مصادفة أن يتزامن رحيل الفنان الشعبى الكبير أحمد عدوية، أحد رموز الغناء الشعبى، مع الذكرى الرابعة لرحيل المبدع الكبير الكاتب والسيناريست وحيد حامد، ومع الاختلاف فيما بين عدوية وحامد، هناك مشترك مهم جدا، هو أن القوة الناعمة المصرية على مر العصور وتنوعها، تنتج أجيالا تسلم أخرى، وحتى ما قد يبدو تراجعا ما، هو صفحة من صفحات الإبداع، وأن مصر قد لا تكون الأغنى بين الدول الثرية، أو الأكثر تقدما، لكنها دائما تمتلك قوة ناعمة متنوعة وإبداعا يظل مصباحا يضىء بغير زيت.


أما الرابط بين الاثنين بجانب الإبداع فهو الأديب نجيب محفوظ، الذى أنصف أحمد عدوية فى وقت كان هناك من ينكره، وأيضا أوصى الأدباء بالاتجاه بالأدب من الورق إلى الشاشات، وبدا وحيد حامد أحد أهم من نفذوا الوصية المحفوظية، واتجهوا إلى تقديم الإبداع على الشاشات، مع وحيد كان أسامة أنور عكاشة، ومحفوظ عبدالرحمن، وغيرهما، وقد تنبأ نجيب محفوظ فى السبعينيات من القرن العشرين بأن التليفزيون والسينما هما المجال الأوسع لعرض الأفكار ومعالجة الفجوة بين القراءة والأمية.


ومن هنا فإن الاختلاف فى نوعية الإبداع بين «عدوية» و«حامد»، هو لصالح التنوع، والتقدم للأمام، وحيد حامد مبدع لم يتوقف عن صنع البهجة والحكمة والفن الراقى، وحل المعادلة الصعبة وأنهى مقولة زائفة «الجمهور عاوز كده»، وقدم فى أعماله - بالسينما والدراما- الفن، والمتعة والتفكير من دون وعظ ولا ادعاء.


كل عمل من أعمال وحيد حامد السينمائية أو التليفزيونية يحمل بصمة وعلامة مائية، فى كل عمل «جملة، حوار، إفيه، حكمة»، خليط نادر من الكوميديا والتشويق لا يستطيعه غير وحيد حامد، ومن بين أهم 100 فيلم سيكون عشرة أو أكثر لوحيد حامد، من «الإنسان يعيش مرة واحدة، الإرهاب والكباب، طيور الظلام، معالى الوزير، غريب فى بيتى، المنسى، النوم فى العسل، الغول، آخر الرجال المحترمين، سوق المتعة، اللعب مع الكبار»، كل فيلم فكرة، وحكمة، ومشاعر، فى التليفزيون قدم «العائلة، وسفر الأحلام، والجماعة»، أعمال اختلطت بنجومية عادل إمام وأحمد زكى ويسرا وسعاد حسنى ونور الشريف ولبلبة، ومخرجين منهم سمير سيف وشريف عرفة، ظل وحيد حامد صانع النص الذى يصنع نجوما.


وفى العمل الدرامى الأخير «بدون ذكر أسماء»، قدم وحيد حامد دراما عن واقع اجتماعى وسياسى، ينطلق من المتسولين فى إشارات المرور بوسط البلد، إلى عالم السياسة والإعلام، والمؤامرات والفساد والطموح، فقد كان قادرا على انتشال الأفكار من واقع معقد، وشعبى، وهو ما يعيدنا إلى الرابط بين رحيل أحمد عدوية المطرب الشعبى الذى كان رمزا لعصر كامل من التحولات والطموح، وانعكاسات سياسات الانفتاح والحرب والنصر والسلام، على عالم اجتماعى ومجتمع متشابك ومعقد.


ومثلما كان أحمد عدوية رمزا للتحول، وعنصرا فيه، حتى ولو من دون وعى، فقد ظل بسيطا وفطريا، لم يتعال على واقعه، وظل منتميا إلى مجتمعه، فإن وحيد حامد التقط خيوط الشعب وتحولاته، من دون أن يدين، بل العكس، فقد كان دائما يقدم فنا يختلف عن فنون ادعت التقدمية وقدمت فنا أسود، وكل عمل من أعمال وحيد حامد تحمل أملا وبهجة ومشاعر، وليست فقط نقاطا سوداء، فهو لا يحاكم ولا يحكم ولا يعظ، وإنما يسعى للفهم والمعرفة، ومن هنا فقد كان حاملا لبهجة غامضة، وهو ما دعا إليه وقدمه نجيب محفوظ فى أدبه، ووصاياه، إن مصر دائما قادرة على تقديم المبدعين، وإن قوتها الناعمة هى الأحق بالرعاية والأقدر على صناعة التقدم، كل بطريقته، من عدوية إلى وحيد حامد.


 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة