العالم يتغير بأسرع من الصوت ومن أى تصور سابق، وقبل 4 عقود كانت توقعات علماء المستقبل ترى أن التكنولوجيا سوف تغير مصائر العالم، لكن بجانب هذه القفزات فى التقنية والجيل الخامس وما بعده، فإن العالم أمام مصائر متنوعة، فقد انعكست التطورات التكنولوجية على حياة الناس واتصالاتهم، وما يتعرضون له من بث وتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعى.
المفارقة أن بعض علماء وخبراء ومحللى المستقبليات حاولوا قبل 4 عقود رسم صورة عالم أكثر تواصلا ورخاء وأقل صراعا، بينما كان محللو السياسة يتوقعون صراعات أكثر ومنافسات أضعاف ما كانت، حيث يبدو العالم اليوم أكثر ازدحاما، لكن البشر والدول أكثر عزلة، والمناطق التى تشهد صراعات خلال عقدين تتضاعف احتمالات معاناة أهلها، على عكس ما كان يبدو، فقد تحولت دعوات التغيير فى الإقليم من حولنا إلى صراعات بلا بداية ولا نهاية، لدرجة أن الصراعات الحالية ومعادلاتها تتضاءل أمامها صراعات العالم القديم، الذى تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، والذى يواجه شكوكا وتغييرات تعيد رسم الخرائط، وتكشف عن فشل نظام عالمى سياسى، وضرورة بناء عالم مختلف يخلو من أمراض الحرب الباردة التى عادت بالرغم من انتهاء الأيديولوجيات التى كانت تحكم الصراعات فى الحرب الباردة.
ففي هذا العام تكمل اتفاقية يالطا عامها الثمانين، منذ تم توقيعها في عام 1945، بين رئيس الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين ، ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وقعوا الاتفاقية في مدينة يالطا السوفيتية على سواحل البحر الأسود ، وناقشوا كيفية تقسيم ألمانيا والتعامل مع اوربا بعد انتهاء الحرب، وسبق المؤتمر واحدا في طهران، الثاني في بوتسدام، والمفارقة ان الولايات المتحدة برئاسة هارى ترومان الذى خلف روزفلت استبقت والقت القنبلة النووية على هيروشيما وناجازاكى، اليابانيتين، في أغسطس من نفس العام. وهو ما اشعل سباقا وحربا باردة لم تنته، صاحبت فترة الحرب الباردة عدة أزمات دولية أخطرها، حصار برلين 1948–1949 والحرب الكورية 1950–1953 وأزمة برلين عام 1961 وحرب فيتنام 1956–1975 والغزو السوفييتي لأفغانستان و أزمة الصواريخ الكوبية 1962.
وبالرغم من انتهاء الحرب، وبالرغم من عودة التئام المانيا، وخروج الاتحاد السوفيتي من السباق، بقيت الصراعات والحروب الباردة والساخنة. من أفغانستان للعراق، ومن سوريا الى ايران وبقيت لإسرائيل التي تمثل أخطر نتائج ما بعد الحرب العالمية، تمارس دورها في الصراع ونشر الخوف وسباق التسلح . بل أن حرب في أوكرانيا أحد علامات استمرار الحرب الباردة بالرغم من انتهاءها أيديولوجيا.
أوروبا تشهد تحولات سياسية، حيث التأم الاتحاد الأوروبى، لكن غادرته بريطانيا باستفتاء، وهناك يمين أوروبى يصعد حاملا آراء وتوجهات تختلف عن ثوابت السياسة القائمة، لكن الحرب الباردة تتخذ أشكالا متنوعة، ليس فقط فى أوكرانيا، ومحاولات أوروبا اللعب فى فناء روسيا الخلفى، وترد موسكو، لكن أيضا المنافسة التجارية بين أمريكا والصين، واستمرار البحث عن صيغ أخرى تعالج أمراض النظام العالمى المختل.
العالم لا يكف عن التغيير، ومنه جزء فى شرقنا الأوسط، حيث تتفاعل التغيرات لتلد تحولات ضخمة، وتغير من الثوابت والخطوط الحمراء، تظهر تنظيمات مسلحة وميليشيات من حولنا، وتشتعل براميل بارود، والأهم أن هذه التنظيمات تغير جلدها وأسماءها لتحتل السلطة، وتقدم نفسها بصورة جديدة، وهى تجارب جديدة، متغيرة، تحمل فى باطنها ما كان يسبق وأن حملته مشروعات التقسيم، التى اقتطعت لإسرائيل مكانا لدولة دينية لا تكف عن الحرب، وهو ما يعيد صورة بدا أنها انتهت مع الحرب العالمية الثانية، والباردة التى تعود بوجه جديد، ويبدو أن دولة دينية أخرى تقوم بهيئة وصورة جديدة. فى تحول آخر يبدو تجربة أخطر من الانفجارات النووية، التى وضعت العالم على شفا الخوف من الفناء، والآن تعود الحروب الباردة بوجه جديد يتطلب انتباها وتفهما لتقاطعات معقدة.
مقال أكرم القصاص