من منا لا يرفع يديه بالدعاء للستر؟ من منا لا يبتغي ستر الله في أوقات العسر ويسعى إليه في لحظات اليسر؟ تلك الدعوة التي تأتي من القلب، فتسكن الوجدان، وتفتح أمامنا أبواب الأمل.
الستر ليس مجرد كلمة نرددها، بل هو رصيدٌ لا يُقدر بثمن، رصيدٌ نتمناه دائمًا، ونتمنى ألا ينفد، الستر، ببساطة، هو عطاءٌ إلهي بديع، هو السحابة التي تظلنا في سماء الدنيا، تحجب عنا أشعة الفضائح، وتقينا من عيون الناس التي تتسابق إلى معرفة ما وراء الستار، هو نعمة لا تُعد ولا تحصى، هدية من السماء تجعلنا نعيش بسلامٍ داخلي.
حينما يغطينا ستر الله، نعيش حياة مليئة بالطمأنينة، ولا نشعر بالخوف من تدقيق العيون أو عواقب الأفعال.
الستر يمنحنا فرصة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، دون أن نعيش تحت وطأة كشف كل ما لا نرغب في إظهاره، لكن، كم منّا يتذكر أن الستر ليس حقًا دائمًا؟ إنه رصيدٌ إلهي، مثل الماء العذب في النهر، إن لم نحرص عليه ونعمله بحذر، فقد ينفد في لحظةٍ لا نتوقعها، وكلما أفرطنا في استنزاف ستر الله، كلما اقتربنا من لحظةٍ نندم فيها على ما فات، إذ عندما ينسحب ستر الله، تتكشف الأسرار وتظهر العيوب على مرأى من الجميع، وعندها، لا يفيد الندم ولا التمني.
إذا كانت الحياة تقودنا أحيانًا إلى دروبٍ مظلمة، فإن ستر الله يضيء لنا الطريق، إنه يشبه أغطية من حرير تنسجها الأقدار بحكمة، تنقذنا من لحظات الضعف التي قد تفضحنا، الستر ليس فقط في حفظ الأسرار، بل في الرفق بمن حولنا، في أن نبقي على ستر عيوبهم، وأن نغضّ الطرف عن زلاتهم.
حافظوا على ستر الله، ولا تستهينوا بهذا الرصيد العظيم، فهو نعمة قد لا تعود حين تُستنفد، ولا تندموا في وقتٍ فات فيه الندم، فقد يصبح الستر ذكرى، وتحلّ مكاشفة قد لا يكون لها مكان في حياةٍ يسودها الاحترام والسكينة.