التاريخ شاهد أمين، وحكم عادل، ويصحح نفسه بنفسه مع مرور الأيام، والحقائق ناصعة، وواضحة وضوح الشمس فى كبد السماء، لذلك دَوّن فى سجلاته موقف جماعة الإخوان من إسرائيل، وأنها جماعة أقوال لا أفعال، فلم ترفع السلاح فى وجه إسرائيل مرة واحدة، وأن كل ما تبنته مجرد شعارات نظرية ترددها لمآرب وأهداف شخصية، واللعب على وتر مشاعر البسطاء لتجنيد البعض، واكتساب تعاطف البعض الآخر، بشعارات من عينة «على القدس رايحين، شهداء بالملايين».. ووصفهم بأنهم أحفاد القردة والخنازير.
نعم، ووفق سجلات التاريخ، فإن جماعة الإخوان لم تشارك يوما فى عمل نضالى واحد ضد إسرائيل سواء عندما احتلت سيناء عقب نكسة 67 أو فى انتصار أكتوبر العظيم 1973، لكن ومنذ أحداث 25 يناير 2011 تكشفت حقيقة الجماعة وما خرج من رحمها من تنظيمات تحمل مسميات مختلفة، من الجهاد والجماعة الإسلامية وتنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة، سابقا، إلى هيئة تحرير الشام، حاليا، وغيرها من المسميات التى يعج بها ملف الإسلام السياسى، قد أسقطت الأقنعة وصارت وجوه قياداتها وأعضائها، سافرة، فقد تبين وبالأدلة خطب ودهم لإسرائيل، وأن كل ما كانوا ينادون به من شعارات معادية لها مجرد، كاموفلاج «Camouflage».
وحتى عندما كانوا يبررون مواقفهم من إسرائيل على الأرض، بأنهم ليسوا فى سدة الحكم، فقد واتتهم الفرصة فى السنة السوداء 2012 فى مصر، فوجدنا تقاربا من الجماعة لإسرائيل وحميمية فى العلاقات، يمكن تلخيصه فى مشهدين شارحين، الأول، الخطاب الشهير الموجه للرئيس الإسرائيلى «شيمون بيريز» تضمن عبارات الود والوفاء والإخلاص، بداية من عزيزى وصديقى العظيم، والرغبة الصادقة فى تطوير علاقات المحبة، وتعهد الجماعة بأن يبذل السفير الجديد صادق جهده، مطالبة من بيريز أن يشمله بعطفه وحسن تقديره، وختم الخطاب بعبارة «صديقكم الوفى محمد مرسى».
المشهد الثانى، التصريحات العلنية العجيبة لأحد أبرز قياداتها، الدكتور عصام العريان، فى ديسمبر 2012 يطالب فيها بضرورة عودة اليهود لمصر، وقال نصا: «أدعو اليهود المصريين للعودة إلى وطنهم، ويجب أن يرفضوا الاستمرار فى العيش تحت ظل نظام قمعى وعنصرى ملطخ بارتكاب جرائم ضد الإنسانية».
ويا للهول، نفس السيناريو تطبقه «هيئة تحرير الشام» بحلتها الجديدة، فى سوريا بعدما غيرت مسماها القديم «جبهة النصرة» فبعد وصولها للحكم عقب إسقاط نظام بشار الأسد فى الثامن من ديسمبر الماضى، وقد شهدت تحولا عجيبا فى النهج، مترجمة ذلك فى تصريحات جميعها تخطب ود إسرائيل، وتبعث برسائل طمأنة علنية وبغلظ عين لا مثيل له، بأنها لن تكون سوريا يوما مصدر تهديد لأمن واستقرار إسرائيل، بل تركت حكومة تل أبيب، تفعل ما تريد فى سوريا، بدءا من التغول والسيطرة على المنطقة العازلة، وجبل الشيخ، واتجهت لتنفيذ ممر داود، من النهر «الفرات» إلى البحر «الأبيض المتوسط» مرورا بدرعا والسويداء، والرقة، ودير الزور، والبو كمال، والتنف، وحتى الجولان، ويطوق الحدود العراقية، ويعزز من قوة إسرائيل العسكرية، ويشكل ضغطا كبيرا على العراق، ويهز الأمن القومى العربى بعنف!
أيضا، سمحوا لإسرائيل بأن تقضى على قدرات الجيش الوطنى السورى، وتدمير كل آلياته وبنيته التحتية ومراكزه البحثية، ولم يعد هناك، لا جيش ولا سلاح وعتاد، وصارت الدولة السورية متجردة من كل عناصر الردع، بل تمادى أبومحمد الجولانى، سابقا، وأحمد الشرع، حاليا، فى التجويد وزيادة منسوب الحميمية والوداعة لإسرائيل، عندما أكد عدم وجود نية لمهاجمة إسرائيل وأنه لا يريد الحروب!
أما محافظ دمشق الجديد، ماهر مروان، فقد عبر عن تفهمه العميق لما ترتكبه إسرائيل فى سوريا من انتهاك فاق الوصف، قائلا: إن إسرائيل قد تكون شعرت بالقلق بعد تغيير النظام فى دمشق بسبب «فصائل» معينة، «عندما تقدمت وقصفت»، معتبرا أن هذه المخاوف كانت «طبيعية».
بل وزاد محافظ دمشق فى رسائل الطمأنة والود والحميمية الدافئة، لإسرائيل ، فى تصريحات له مع الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية «إن بى آر»، عندما أكد «أن سوريا ليس لديها أى خوف تجاه إسرائيل، وأن المشكلة ليست معها، وأن دمشق لا تسعى للتدخل فى أى أمر يهدد أمن إسرائيل أو أمن أى دولة أخرى فى المنطقة»، مشيرا إلى أن هذا الموقف يتماشى مع سياسة الحكومة الجديدة.
فى المقابل، استقبلت إسرائيل رسائل الشرع ومحافظه، من خلال تقرير مطول نشرته صحيفة معاريف للكاتب والمحلل السياسى بالصحيفة، جاكى هوجى، تضمن الآتى: «فى إسرائيل هم على يقين من أن الجولانى جهادى تحت ستار «حمامة» وينسون أنه فى العقد الماضى كانت المؤسسة الأمنية على اتصال مع المنظمات الجهادية فى سوريا.. وفى هذه الأثناء تتلمس دول العالم طريقها إليها بقوة!»
انطلاقا من تقرير جاكى هوجى، ووصف أحمد الشرع «بالحمامة» نتأكد بما لا يدع مجالا لأى شك، أن كل الجماعات والتنظيمات المتدثرة بعباءة الدين من الإخوان لداعش للقاعدة لهيئة تحرير الشام، وباقى هذه الفرق بكل مشاربها، قد نفد رصيدهم من الستر، وتكشفت حقيقتهم، وسقطت من فوق وجوههم أقنعة الزيف والخداع والكذب باسم الدين، وتعرت أفكارهم العفنة، القائمة على أن «وما الوطن إلا مجرد حفنة تراب عفن!»
تأسيسا على كل ذلك، فإن على كل هذه الجماعات المسيئة للدين والأوطان، أن تخرس، وتصمت للأبد، ولا تزايد على مواقف مصر الشريفة، تجاه قضايا أمتها، وفى القلب منها القضية الفلسطينية، وتتهمها بالتقصير فى تحرير القدس، فما قدمته مصر وشعبها من تضحيات، بتاريخ أمم.