أصبح احتفال عيد الميلاد طقسا مصرية يحمل الكثير من الرسائل المستمرة، التى تأخذ معانى أكبر وأعمق بينما نشاهد العالم يشتعل بالصراع، ويتم اغتيال السلام يوميا فى أرض السلام، مهد المسيح، الذى جاء بالسلام ولا تزال غزة تعانى، والمصريون لا يكتفون لها بالدعاء فى مواجهة جرائم العصر لكنهم يواصلون الدعم والمساندة لمواجهة حرب تجويع وحصار يشنها الكيان الغاصب الذى ترك الدولة وتحول إلى عصابة.
المصريون قادرون على الفرح معا، والأعياد التى تأخذ أصلا دينيا تتحول فى مصر إلى أعياد قومية، يشارك فيها الجميع، مع اعترافهم بالاختلاف، وحتى رمضان الذى يعتبر مناسبة مسلمة يصبح احتفالا ومناسبة لتعاطف وتضامن تشمل الجميع.. وفى عيد الميلاد يتشارك المصريون الدعاء كل من مكانه، بل إن أجراس الكنائس تعانق المآذن فى صيغة تلجأ إلى الله القدير، وأن «الله معنا» يساندنا طالما كنا معا.
فى يناير 2015 كانت أول زيارة رئاسية للكاتدرائية، والرئيس السيسى هو أول رئيس يزور الكاتدرائية لتهنئة المصريين بعيد الميلاد، ويومها حسم الإجابة عن سؤال ظل مطروحا فى صمت، وتم حسم أغلب مشكلات بناء دور العبادة، بل إنه فى كل مدينة جديدة نجد دور العبادة قائمة ولائقة ومناسبة لأعداد المواطنين من المسلمين والمسيحيين، لقد تم على مدى سنوات سد ثغرات حاولت أطراف كثيرة الدخول منها وفشلت، لأن المصريين لديهم ما يكفى ويفيض من الوعى، وحتى الأحداث المصطنعة التى حاول بعض وكلاء الدسائس زراعتها، فشلت بشكل تام.
المصريون على مدى التاريخ يحتفلون معا، فى كل الكنائس دقت الأجراس، وأعلن القداس، وانطلقت الدعوات فى كل أرجاء أرض مصر تدعو بالسلام والمسرة والبركة لمصر والعالم، وبالسلام لأرض السلام التى تشهد أكبر جرائم الاحتلال الإسرائيلى.
حرصتُ على مدى سنوات حضور ومتابعة قداس الميلاد فى كنائسنا المصرية، ومن يتابع يعرف أن الإيمان واليقين بالله هو أصل الدعاء، وأن الله يستجيب لعباده عندما يكونوا صادقين، وينظر إلى قلوبهم، إنها نفس الدعوات والمشاعر والترانيم التى تعنى أن الإنسان بحاجة إلى أن يغذى روحه، وأن السماء لكل البشر، بلا تفرقة، وأن الله وحده يطلع على القلوب ويحاسب الكل على نيته وأعماله، ومن الأفضل أن يكون كل إنسان قادرا على ممارسة الإيمان من دون أن يحال وضع الآخرين فى قالب واحد.
كل صلوات أعياد الميلاد تدعو الله وتقول إن «الله معنا»، وأن المجد لله وحده، ورغبة فى أن يحرس الله عالمنا وبلدنا، وينظر للبشر جميعا بلا تفرقة، وأن الله يحاسب البشر بما فى قلوبهم، وهو وحده الذى يقدر أعمال البشر، فى هذه اللحظات نكتشف أن الله خلق العالم متنوعا ومتعددا، وأن الأديان نزلت لسعادة البشر، وليس لأحد دون آخر، وأن كل مؤمن يمكن أن يشعر بحق الآخرين فى السلام والتنوع والاعتقاد، بينما الحروب تشعلها الغرائز.
وبالرغم من هذه البديهيات، فإننا نحتاج الآن وقبل عقود إلى أن نتذكرها، وأن الإيمان على بساطته هو الضامن للسلام، ودائما كان شعار المصريين «الدين لله»، وقال الرئيس السيسى فى زيارته للكنيسة بأعياد الميلاد «البلد دى بلدنا كلنا، وما حدش ليه زيادة أو نقص»، وهو تعبير عن المصريين جميعا، الذين قطعوا آلاف السنين معا، وعرفوا الإيمان قبل أن تعرفه أمم كثيرة، ولهذا فإنهم أكثر وعيا وتسامحا.
وفى عيد الميلاد المجيد نتوجه بالتهنئة لكل المصريين، والله معنا، يساندنا، ويدعمنا ويقوينا.. كل عام وكل المصريين بخير.