لسوء حظ أحمد زكى أن علاقته بصلاح جاهين بدأت متأخرة نسبيا، وكانت فى الغالب عن طريق سعاد حسنى وعلى بدرخان وأجواء فيلم "شفيقة ومتولى".
كان صلاح جاهين بالنسبه لأحمد بديلا لكل شيء.. للأب والأخ والصديق الشاب الذى لم تفارقه أبداً حالة "التوجس" من الآخرين والإحساس "الريفى" بأنه لن يتمكن طبقيا واجتماعياً وإنسانياً من العيش بسلاسة وبساطة مع سكان القاهرة.. كان يتسلح فقط بموهبته الشيء الوحيد الذى يثق به ويكفيه ويعذيه.
فى جلسة على النيل أثناء تحضيرنا لفيلم "ضحك ولعب وجد وحب"، كنا فى ضيافة عمر الشريف، طارق التلمسانى وعمرو دياب وآخرون عندما جاءت (سيرة) أحمد زكى، ولا أنسى قول عمر الشريف (لو الولد ده بيعرف إنجليزى كان هيبقى ممثل عالمى.. ولا عمر الشريف ولا غيره.. قالها ببساطة وصدق ومهنية واحتراف، رغم أنه معروف بعدم إعجابه بالكثير من نجوم السينما الحديثة الذى كان يرى أنهم لا يمكن مقارنتهم بالجيل الذى تربي فى أحضانه مثل رشدى أباظة ومحمود المليجى الذى مات بين يديه أثناء تصوير أول أفلامه المصرية بعد العودة "أيوب" مع المخرج هانى لاشين.
كان لأحمد زكى مخاوفه وإحباطاته التى كانت نتيجة طبيعية لقسوة البدايات.. افتقاد جو الأسرة والحنان و"العزوة" فلم نعرف له أخا أو أختا أو قريبا، وكان يكره الحديث عن أمه التى لم يذكرها إلا نادراً، حتى أنى ذات مرة حاولت استغلال تراخيه عن مقاومة الحديث فى هذا الموضوع فطلبت دقائق لأحضر "ريكورد" من السيارة لتسجيل كلامه عن عائلته، فرفض بشدة، وطلب تغير الموضوع ولم يعد إليه إطلاقا.
كما أذكر أنى كررت هذا الطلب أثناء تحضير فيلم "حليم" وكرر الرفض الحاسم.. وهذه حكاية سأرويها بالتفصيل عندما أحكي قصتى بالتفصيل مع فيلم (حليم) الذى انسحبت به أسابيع قليلة قبل تصويره وأشهر معدودة قبل رحيل زكي المأساوية.
أما موضوع (الإنجليزي) الذى أشار إليه عمر الشريف فكانت إختصاراً لشخصية زكى الذى أبعدته أحواله عن ثقافة فنية وإنسانية كانت تلزمه فى مشوار صعب .. كان لا يجيد سوى فن التمثيل أو (التشخيص) كما كان يطلق عليه. أما مسأله (الوعى) أو (الثقافة) فكانت حدوده هى ما يسمع وما يرى مثل أغلب (فنانى) جيله .. وكانت نموذج "نور الشريف" الجامع بين الموهبه والثقافه يثير إعجابه وغيرته .
ولا أريد ترك موضوع اللغة إلا بعد سرد حكاية طريفة تجسد هذه الحالة عند "زكاوة" .. كنا نصور فيلم " الباشا" من إخراج طارق العريان وتصوير طارق التلمسانى وكنت أعمل مساعداً للإخراج عندما طلبت من أحمد (الذى أصبحت علاقتنا صداقة قوية) أن ينتظر فى الكرافان الذى إستأجرناه للنجم كي يستريح بين اللقطات المختلفة .. كنا نصور فى جراج فندق هيلتون رمسيس وكان أحمد مقيما دائما فى الفندق (لدرجة تراكم ديون هائلة عليه كان يسددها مجمعه عن أجره) .. وبين اللقطات كان طارق التلمسانى يأخذ وقتا طويلاً فى الإضاءة الطبيعية لمساحات كبيرة ومشاهد مطاردة بالسيارات .. فوجئت بالمساعد الثانى يقول أن أحمد غاضب ومنفعل بسبب تركه فترة طويلة بدون تصوير فنزلت إليه ومعى طارق العريان وسامح الباجورى كاتب السيناريو لتهدئته فكان هذا الحوار:
- إيه يا أحمد مالك؟
- هو إيه اللي مالك يا عم مجدى ساعة ونص قاعد ولابس ومستنى وإنتو بتصوروا ناس ثانية ..
- كنا بنكمل تصوير المشهد إلى إنت خلصته عشان ما نهدش الإضاءه.
- وبعدين؟
- وبعدين طلعنا الدور الثانى اللي فيه باقى المشهد وطارق بيعمل الإضاءة عشان تصور إنت وبعدين نكمل إحنا .. مش دى الأصول يا جميل وأنا مروقك وجايب لك ((شيشه)) فى الكرفان وآخر حلاوه .
- بس كنت تقولى ..
- ما أنا قايلك يا أحمد ..
- لأ مش قايلى 3 ساعات (دى مبالغة طبعاً) .. كنت أروح الفندق أستريح فى (اللوندرى) .. (يقصد طبعا اللوبي) ..
ولم أستطع مقاومة (الإفيه) الذى وقع فى حجرى .. ورغبتى (الحمقاء) فى تهدئه الجو .. فقلت: وإنت إيه اللي يقعدك فى المغسله يا أحمد؟!
وطبعا إنهار طارق العريان وسامح على الأرض ضحكاً .. وإمتقع وجه زكى وأن لم يدرك بالضبط ما الخطأ الذى إرتكبه .. فقال : إنت بتضحكوا على يا ولاد الـ .... وتوقف التصوير لعدة أيام .. ولم يعد أحمد إلا بعد إعتذارات وترضيات هائلة .