محمد منير

وقائع مسروق بن مسروق

الجمعة، 22 أكتوبر 2010 01:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى يوم غير معلوم ضمن أيامى غير المعلومة، أخذتنى قدماى إلى عم نوفل البقال، مستهدفاً كسر ملل انتظار أول الشهر، وطامعاً فى نفحة من نفحاته القليلة بقطعة حلاوة أو جبنة تسد نفسى عن الغذاء، فأضمن بذلك وجبة عشاء.. فالبورد فى بيتنا حدوده القصوى وجبتان فى أحسن الأحوال.

كانت صدمتى كبيرة عندما فوجئت بشخص آخر غير عم نوفل، يقف وراء البنك الزنكى الذى يفصل مابين داخل المحل وخارجه.. وهى المرة الوحيدة التى أرى شخصا غير نوفل فى البقالة حتى ظننت أنه مات، وأن أحد أقاربه ورث المحل.

دخلت متردداً على الوافد الجديد الذى يحمل وجها يشبه السحلية وسألته عن اسمه فقال لى بكل فخر «محمد المسلم».. ولأنى فذلوك «وما بفوتهاش» رديت بسرعة.. هو فيه يابنى محمد مش مسلم.. فأجاب بسرعة غير متوقعة، وكأنه كان ينتظر سؤالى.. «أصلى كنت ذمى وأسلمت».

شعرت بفخر وسعادة وأنا أتعامل مع المؤمن الجديد الذى شرفنا بقدومه، وجلست اختلق معه الحوارات تقرباً وتيمناً، وفهمت منه أنه عامل جديد، شغّله نوفل عنده إكراماً لموقفه وإسلامه.
وبعد حوالى ساعة ارتفع صوت الأذان فى السماء، فطلبت منه التوجه معى للجامع، وإقامة الصلاة بينا.. فرد بهدوء.. معلهش عندى عذر.. فلم أفهم خاصة أن صوته وشنبه الذى يخط ما تحت أنفه ينفى أى أعذار من هذا النوع.

مرت علينا أيام كثيرة لاحظت فيها محمد المسلم، فاكتشفت أنه لم يركع ركعة، وعلمت من جار لنا يعرفه منذ فترة انه لا يصوم رمضان.. وطوال الوقت لم يكف عن ممارسة رذيلة النميمة، فأصابنى قلق وداهمتنى تساؤلات، واجهته بها فى كلمتين «لماذا أسلمت؟» فرد فى برود وجبروت «الشيخ مرزوق اللى ساكن جنب جوز أمى أقنعنى».. قلت له «أقنعك بإيه» فأجاب «بالإسلام يا أخ مسروق عندك اعتراض».. وهنا أفقت وقفزت من فوق السلك المكشوف، وقلت له «لا طبعا ربنا يقوى إيمانك».

شهران كاملان لم يتوقف الوافد الجديد عن النميمة، شهدت حارتنا خلالهما أربعين خناقة وثلاثة قتلى و50 مصابا بسببه.

دفعتنى بقايا شهامة قديمة إلى تخليص البشرية من شرّه فتوجهت إلى الواد جرجس الجمال المتطرف اللى ساكن فى الحوش اللى ورانا.. وهمست فى أذنه الكبيرة «فيه واحد من عندكم جه عندنا، تعالوا اخطفوه».. نظر لى جرجس اللئيم نظرة شماته، ورد همساً فى أذنى «إحنا اللى بعتناه لكم عشان تشربوه».. اكتملت عناصر المؤامرة أمامى بأطرافها الثلاثة جرجس اللئيم، والشيخ مرزوق سمسار تغيير الديانات والذى يجلس يومياً بعد صلاة العشا، يتفاخر بذكر أعداد من نقلهم من ديانتهم إلى ديانته، ومعظمهم من الفقراء أحباب الله دون تكاليف تذكر لا تتعدى الخمسمائة جنيه للفرد أو تجميع فقيرين فى الحلال، والوافد الجديد الذى استثمر الموقف فحصل على حجرة ومروحة من الجمعية الشرعية، وجوازة ما كان يمكن أن يتمها وهو على دينه القديم.

أخذت ديلى فى أسنانى وجريت على القسم اللى فى الميدان وأمام المأمور حكيت عن المؤامرة الكبرى.. وما إن انتهيت من كلامى حتى أمر المأمور بسحبى من قفايا إلى الحجز، مصحوبا بلعنات المخبرين والضباط.. والصول بلال يصرخ بأعلى صوته، ياكافر يا مسروق عاوز تقف قدام رحمة ربنا على عبد هداه.. منك لله.

وفى النيابة كانت التهمة «إثارة البلبلة، وتهديد الوحدة الوطنية، وتعريض البلاد لمخاطر الطائفية»، انتابتنى راحة شديدة.. فهى تهمة أهون بكثير عما كانوا سيوجهونه لى لوكانوا اكتشفوا أن مراتى تمتلك كيلو «قوطة».. وقلت كعادتى
«قضا أحسن من قضا» وبدأت رحلة يوم جديد.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة