لماذا قرر الأستاذ هيكل تعرية مبارك الآن؟

أتابع بشغف بالغ الحلقات التى تواصل نشرها جريدة «الشروق» من كتاب الأستاذ هيكل الجديد «مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان»، رغم نفورى القديم من فكرة الأجزاء المنفصلة وتفضيلى دائمًا أن يكتمل العمل لأقرأه مجتمعًا، وحده «السحر الهيكلى» جعلنى أتجاوز هذه المرة عن ذلك وأغوص فى سطور الحلقات مستمتعًا بعذوبة اللغة وسلاسة السرد فضلاً على الإيقاع الموسيقى الكامن وراء الكلمات، والذى يجعل من كتابات الأستاذ قطعة من الأدب الرفيع تكاد تسمعها قبل أن تقرأها! ورغم أن فصول الكتاب لم تكتمل بعد، فإن ما نشر حتى الآن يعطى مؤشرًا قويّا على مضمون واتجاهات العمل ككل، وهنا تتجلى أمامى عدة ملاحظات أود أن أطرحها على القارئ.
بدت حلقات الكتاب فاصلاً طويلاً من النميمة التى تكشف عن الوجه الآخر «الصادم» لمبارك، فهو شخص لا يتورع عن استخدام الألفاظ الخارجة فى حديثه مع الجميع ويبرر ذلك بأنه اعتاد ذلك منذ أن كان ضابطًا فى المعسكرات والقواعد الجوية حتى أنه يعترف بأن «سوزى» يقصد سوزان مبارك حاولت منذ زواجهما أن «تربيه» مجددًا حتى يتخلص من هذه الخصلة الصادمة!
أيضًا يتجلى مبارك بين سطور الحلقات شخصًا محدث نعمة، يعانى من عقدة طبقية، كل ما يهمه هو اقتحام عالم الثراء والفخفخة حتى أنه يقول للأستاذ هيكل: «عايزين نتعلم العز يا محمد بيه!» ولأنه قروى ساذج، فإنه لا يستطيع التفرقة بين الأنواع الرديئة والفخمة من السيجار.
هنا لابد أن نؤكد على أن الأستاذ هيكل بحرفيته المعتادة لا ينقل إلا ما كان شاهد عيان عليه ورآه أو سمعه بشكل مباشر، كما أنه بالأدب الهيكلى الجم أشار إلى تورط مبارك فى الألفاظ الخارجة بمهارة من يحمل مقصّا رفيعًا وعلى نحو مخفف للغاية، ولكن السؤال: لماذا قرر الأستاذ أن يفضح أسرار المخلوع فى هذا التوقيت بالذات وقد تحول إلى طاغية عجوز يحاكم فى القفص، ألم يستشعر حرجًا ومبارك لا حول له ولا قوة، ألم يكن الأجدى التريث قليلاً واختيار الوقت الأنسب خصوصًا أنه يعلن عن تفاصيل سرية قالها له المخلوع بمنتهى الطمأنينة، وفى لحظات ثقة متناهية وبعيدًا عن النشر؟! بالطبع هذه التساؤلات ليست دفاعًا عن أشهر طغاة العصر الذى أجرم فى حق شعبه، لكنها علامات استفهام حائرة.