أدرج الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، الذى يعمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى، اسم باتريس إيمري لومومبا، فى مشروع "حكاية شارع"، الذى يهدف إلى التعريف بالشخصيات المهمة التى أطلقت أسماءها على بعض الشوارع، وذلك من خلال وضع لافتات باسم وتاريخ الأعلام الذين أطلقت أسمائهم على الشوارع، والذين يشكلون قيمة تاريخية وقومية ومجتمعية لمختلف فئات الشعب المصرى.
ولد "باتريس إيمري لومومبا" في عام 1925، بقرية "كاتانا كوركومبي"، بإقليم كاساي بالكونغو، تلقى تعليمه الأولي بالمدارس التبشيرية، ثم التحق بمدرسة لتدريب عمال البريد في ليوبولدفيل.
بعد أن انتهى لومومبا من تعليمه عمل موظفًا للبريد بمدينة “ستانلي فيل”، وهو في التاسعة عشرة من عمره، وفي هذه الفترة عاش أقسى صور الفصل العنصري بين السكان الأوروبيين البيض وسكان البلاد الأصليين من الزنوج، وبدأت مشاعر الوطنية تحركه، واستثمر حركته الطبيعية من عمله؛ فعقد علاقات وثيقة مع القبائل الإفريقية المختلفة، وعمل على ربط الخيوط بين القوى الوطنية.
وفي الوقت نفسه درس القانون والاقتصاد من خلال الممارسة، واستطاع اجتياز عدة دورات دراسية. إلا أن القوى الاستعمارية رصدت هذا النجم الصاعد، ومن ثم عملت على تدبير تهمة سرقة له، وذلك بعد 11 سنة من تعيينه، وبالفعل تم سجنه. وفي السجن عانى أبشع أنواع الاضطهاد ضد المواطنين، وبعد خروجه من السجن عمل في عدة أعمال تعينه على إعالة أسرته.
وفي أغسطس من عام 1958، تفرغ لومومبا للعمل السياسي، وقد كان مؤتمر “أكرا” في ديسمبر 1958 الممهد لقيام “منظمة الوحدة الإفريقية” بمثابة أول ظهور لشخصيته على الساحة الإفريقية، وبعده مباشرة أسس “حزب الحركة الوطنية الكونغولية”، وذلك بعد سماح السلطات بالنشاط السياسي الوطني، حيث كان الاستعمار البلجيكي يأمل أن يأتي من خلالها بأشخاص يحكمون البلاد من أبناء البلاد، ويكون ولائهم لبلجيكا.
إلا أن لومومبا حدد هدف حزبه في الاستقلال والوحدة الوطنية، ورأس تحرير جريدة أطلق عليها اسم “الاستقلال”، وقام بالاتصال بعدة أطراف إقليمية ودولية لتأييد حق بلاده في الاستقلال، وكان يحث الجماهير بخطبه النارية وبمقالاته الحماسية في الصحف المحلية والخارجية يشرح فيها جرائم البلجيك ضد شعبه وبلده معتمدًا على البراهين والأدلة المستقاة من ملاحظاته والتقارير والاحصاءات الصادرة من الأوساط البلجيكية حول الأموال الطائلة التي هربها المستعمر إلى بلجيكا.
فحظي لومومبا بشعبية واسعة وقاد مظاهرات ومواجهات مع الإستعمار البلجيكي عام 1959، أدت إلى اعتقاله لمدة ستة أشهر، وأفرج عنه لإنجاح مفاوضات مؤتمر المائدة المستديرة التي كانت تجري في “بروكسل” لبحث مستقبل الكونغو، ونقل من السجن إلى بروكسل بالطائرة، وتم الاتفاق لإتفاق على استقلال الكونغو وإنهاء ثمانين عاما من الاستعمار البلجيكي، وإجراء أول انتخابات ديمقراطية في البلاد.
وقد أجريت انتخابات نيابية في مايو 1960، تنافس فيها أكثر من مائة حزب، وحقق حزب الحركة الوطنية بقيادة لومومبا نجاحًا ساحقًا، وحصل على حوالي 90% من الأصوات. وقد أجبرت بلجيكا على تكليف لومومبا بتشكيل الحكومة أمام الضغط الشعبي ومحاولتها الحفاظ على ماء وجهها أمام المجتمع الدولي.
وفي 21 يونية 1960 أصبح لومومبا رئيسًا للوزراء، ليصبح بذلك أول رئيس وزراء وطني للكونغو، كما تم انتخاب “كازافوبو” رئيسًا للجمهورية. وفي 30 يونية 1960، ألقى لومومبا أمام ملك بلجيكا خطابًا لا ينسى ضد الاستعمار، داعيا مواطنيه إلى الكفاح ضد الاستعمار؛ فعندما جاء ملك بلجيكا إلى الكونغو لإعلان استقلال الكونغو، حيث طالب الملك الوطنيين بعدم اتخاذ إجراءات متسرعة أو غير مدروسة، وبالتالي يدمروا المدنية التي قام بها البلجيكيين لهم، فيقوم لومومبا من مقعده، مع أنه ليس له حق الكلمة في الحفل، ويتجه إلى المنصة، قائلاً: “أيها المناضلون من أجل الاستقلال، وأنتم اليوم منتصرون أتذكرون السخرية والعبودية التي فرضها علينا المستعمر، أتذكرون إهانتنا وضعفنا طويلاً لمجرد أننا زنوج في نظره، لقد استغلوا أرضنا، ونهبوا ثرواتنا، وكان ذلك بحجج قانونية، قانون وضعه الرجل الأبيض منحازًا انحيازًا كاملاً ضد الرجل الأسود، لقد تعرضنا للرصاص والسجون، وذلك لمجرد أننا نسعى للحفاظ على كرامتنا كبشر”.
بعد أن انقضى الاجتماع الذي أعلن فيه استقلال الكونغو، أصدر لومومبا عدة قرارات لإبعاد البلجيكيين عن إدارة شئون البلاد؛ فكان ذلك سببًا كافيًا ليثير الزعيم الشاب استياء الغرب الذي رأى أنه عقّد الأوضاع بسعيه لتلقي دعم من الاتحاد السوفييتي.
لقد أصبح لومومبا أيقونة للأحرار في العالم ولمناضلي القارة الأفريقية الساعين للخلاص من المستعمرين في خمسينيات القرن الماضي، وبفضل كاريزمته العالية تحول لومومبا إلى نبراس للمناضلين في العالم.
وكان لابد من إيقاف هذا الرجل الذي يسعى لمنع استغلال الاستعمار من استغلال خيرات بلاده، وحتى لا يترك المجال للاستعمار باستغلال أية جبهة وطنية، قام بجمع جميع القوى الوطنية في حكومته، التي استمرت ثمانية أشهر.
لكن القوى الرجعية والانفصالية في الكونغو وأعوانهم من أذناب الاستعمار وعملائه لم يكونوا مستعدين للتسليم بهزيمتهم أمام إرادة الشعوب على يد لمومومبا فكانت المؤامرة على حياته وحياة رفاق كفاحه الأحرار؛ فيظهر “مويس تشومبي”، الذي تربى في أحضان الاستعمار وعلى فتات موائدهم، فيعلن استقلال أغنى إقليم بالبلاد عن الحكومة المركزية، وهو إقليم “كاتانجا”، إقليم الماس والنحاس. وفي يوليو 1960 يقوم تشومبي بإعلان الحرب على حكومة لومومبا، وتمده بلجيكا بالمرتزقة من أوروبا.
وإزاء هذا الوضع يطالب لومومبا بتدخل الأمم المتحدة لحماية استقلال البلاد ووحدة أراضيها، إلا أن رد الفعل كان على غير توقعه، إذ بدأت الضغوط البلجيكية والأمريكية للحفاظ على مصالح الاستعمار في أفريقيا، ولكنه لم يخضع لهم سواء بالترغيب أو الترهيب.
على الرغم من أن منصب رئيس الجمهورية شرفي والسلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء، فإن الرئيس كازافوبو بعد ثلاثة أسابيع فقط أصدر أمرًا بعزل لومومبا وتجريده من كل صلاحياته وإقالة الحكومة، رغم أن مجلس الشيوخ صوت بأغلبية كبيرة ضد القرار، وتم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة “جوزيف إليو”، الذ كان تابعًا لبلجيكا.
أدرك لومومبا أنه عرضة للاغتيال في أيّة لحظة، فطلب الحماية والحراسة من قوات هيئة الأمم ولكنها تجاهلت طلبه، وبقي وحيدًا في المعركة. فاضطر لومومبا إلى اللجوء إلى معقل أنصاره في شمال البلاد قرب الغابة الممطرة، ولكن العقيد “موبوتو”، رئيس هيئة الأركان، الذي كان حليفًا للومومبا سابقًا، وتحت التأثير القوي لسفير بلجيكا في الكونغو آنذاك، قد انقلب ضده، فألقى القبض على لومومبا، وحاول لومومبا الهرب من معتقله لكن قبض عليه في الطريق مع اثنين من أهم رفاقه، وأمر موبوتو بسجن لومومبا ثم سلمه إلى عدوه تشومبي، وقام بتسليمه إلى الجيش البلجيكي.
وفي 17 يناير 1961 تم قتل لومومبا ورفاقه، وقُطعت أجسادهم إلى قطع صغيرة، واُذيبت في حمض الكبريتيك، لتنتهي حياة الرجل بهذا الشكل المأساوي، وتكشف الوثائق الجديدة عن أن قتل لومومبا تم بناء على خطة بلجيكية، عرفت باسم “خطة باراكودا”، وبدعم من المخابرات الأمريكية التي تكشف وثائقها رسائل “دالاس” إلى مندوب وكالة المخابرات الأمريكية بالمنطقة، بضرورة التخلص من لومومبا، وأنه “يأتي على قمة الأولويات القصوى في عملنا”.
مصير عائلة لومومبا:
توفرت الحماية لعائلة لومومبا بواسطة الفوج المصري التابع للأمم المتحدة والذي ساعدهم وهربهم بأوامر من الزعيم المصري “جمال عبد الناصر”، وكان هذا قبل إلقاء القبض على لومومبا.
وقد رتب الفريق “سعد الدين الشاذلي” فرقتين صاعقة ووضعهما في المطار باعتبارهما من قوات الأمم المتحدة التي تشارك فيها مصر، وأعطى الشاذلي أوامره بأن يهربوا عن طريق المطار، الذي كان خاضعًا لسيطرة الأمم المتحدة وقوات موبوتو، مهما كلف الأمر.
وقد نجحت عملية تهريب العائلة، وفي مطار القاهرة نزل أبناء لومومبا الثلاثة، “فرانسوا” و”باتريس” و”جوليانا”، وبقيت الأم إلى جوار الوالد، بالإضافة إلى ابن رابع هو “رولا” وكان عمره عامين، وبعد مرور سنة تقريبًا جاءت الأم ومعها رولا إلى القاهرة.
الشارع يقع بحى الأزاريطة بمحافظة الإسكندرية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة