لا أعلم على وجه اليقين من الذى أطلق وصف "المحروسة "على مصر، ولكن الذى أعرفه هو أنه لو كان يعيش بيننا الآن كان سيتردد كثيرا فى إطلاق هذا الوصف، لأنه سيجد فى واقعنا المر، ما يجعله يطلق أوصافا أكثر تعبيرا عن هذا الواقع، ليس من بينها وصف "المحروسة".
مصر لم تعد محروسة، وكل شىء فيها أصبح متاحا للنهب والسلب، بداية من أموال البنوك ومروراً بأرضها التى يشتريها رجال الأعمال بتراب الفلوس، ويحرمون هذه الأرض على أبنائها، ويكتفون بمشاهدة تراب هذه الأرض، وهو يتحول إلى ذهب يرفل فيه أهل الصفوة، وانتهاءً بكابلات التليفونات وخطوط الضغط العالى وأعمدة الإنارة، وحتى "فلنكات" السكك الحديدية، وخطوط الضغط العالى التى تغذى "توربينات" السد العالى.
عصابات منظمة تأكل الأخضر واليابس فى هذا البلد، وتحديدا فى المدن الجديدة، ومن يحاول أن يتصدى يدفع الثمن حياته أو حياة أحد الأعزاء عليه!
المضحك المبكى، أن هذه العصابات تعرف تماما ماذا تفعل، ماذا تسرق؟، ومتى؟، ومن أين؟، والأهم أين تذهب بحصيلة السرقة؟، الذى يكون فى بعض الأحيان إعادة بيع المسروقات للحكومة على أنها مهمات جديدة!!
البعض الآخر يتم إعادة صهره، سواء كان أسلاكا أو بالوعات صرف صحى، وحتى إشارات المرور صغيرة كانت أم كبيرة لم تسلم من هذه الظاهرة التى تقف أمامها الدولة عاجزة.
آخر هذه النوعية من السرقات لكل ما هو عام، سرقة مقتنيات بيوت الله الأثرية، ففى أقل من عام سجلت 18 حالة، يقوم خلالها اللصوص، وبالاستعانة "باسطوات" بقطع "ونشر" كل ما له قيمة فى المسجد، سواء كان حامل المصحف، أو أجزاء من المنبر أو دكة المبلغ، أو نقوش الآيات الكريمة التى قد تعلو المنبر أو الحوائط، حتى الأبواب الأثرية لم تعد تسلم من يد اللصوص، يحدث هذا تحت جنح الظلام، وفى غيبة التنسيق بين وزارتى الأوقاف والثقافة اللتين تقع على عاتقهما تأمين هذه الثروات.
القضية واضحة المعالم، وتصل إلى مرحلة الكارثة فى قطاع السكك الحديدية التى تتعرض لنهب منظم طال كل شىء وأى شىء قابل للفك سواء كانت "حنفيات" المياه أو ألومنيوم الشبابيك أو حتى إسفنج الكراسى، والطامة الكبرى فى سرقة "الفلنكات التى تنتهى عادة إما بكارثة انقلاب القطار أو توقفه عدة أيام، وربما عدة أسابيع حتى تقوم إدارة المهمات باعادة توريد حديداً جديداً بدل المسروق!
الأمر الذى تفاقم فى السنوات الأخير، لا أراه مجرد حوادث ترتكبها عصابة هنا أو هناك، ولكن أرى فيه تجرأ واعتداء على هيبة الدولة وسيادتها، ولابد أن تقول الدولة، إن العقال لم ينفلت فيها بعد، وأن فيها جهاز أو قُل عدة أجهزة تستطيع أن تعرف دبة النملة، وتعرف كيف تصل إلى هذه العصابات وتقدمها للعدالة، ولا نقف جميعاً نتفرج!
المهم سيادة الدولة وهيبتها التى أصبحت فى خطر!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة