منذ نحو أسبوعين وقع حادث مروع على الطريق الدائرى بالقرب من مَنزْل طريق الإسكندرية الصحراوى، أكثر من سبع سيارات تهشمت تماماً نتيجة اصطدام سيارة نقل كبيرة بمقطورتها العملاقة فحطمت »السور« المقام على الطريق الدائرى وسقطت على الأرض فحصدت ما حصدت من أرواح وتركت السيارات التى اصطدمت بها فوق الطريق العلوى »خردة« ثم انقضت على غيرها على الطريق الأسفل فعاثت خراباً فى المركبات والركاب.
سيقولون لنا إن حوادث الطريق تقع فى كل الدنيا وهذا صحيح نسبياً.. لكن الذى ننفرد به دون سائر بلاد الله وخلق الله هو »عزوف« الجميع عن مد يد العون للضحايا فقد كانت امرأة شابة تصرخ مستغيثة تطلب مساعدتها فى نقل طفلها الرضيع إلى أقرب مستشفى فى منطقة الهرم والدماء تسيل منه، لكن المارة وشهود الحادث المروع تهربوا من مساعدة الأم الملتاعة بحجة أنهم لا يضمنون ما سوف يجرى لهم لو ساعدوا المرأة ومد يد العون لإنقاذ وليدها فى أقسام الشرطة.. وعندما أعربت عن حزنى لما وصلنا إليه سمعت عجباً بصدد ما عاناه »أصحاب القلوب الرحيمة والمروءة« من استجوابات وتحقيقات ومحاضر يرافقها »احتجاز« المنقذ الذى هو أساساً »متهم«..
أيضاً وبصدد الحادث نفسه لم يفسح أحد الطريق لسيارة إسعاف هى فى الأصل وصلت متأخرة، ولم يعبأ من يريد أن يصل إلى »هدفه« حتى لو كان تدخين الشيشة فى مقهى أو الذهاب إلى سينما و»الأعمار بيد الله«.. لا أحد يتحمل المسئولية الإنسانية على اعتبار أن قوانين الدنيا كلها تدين من يتقاعس عن إسعاف أو المساعدة على إسعاف أو تسهيل إسعاف جريح لأنه فى هذا الحال -أى المتقاعس- إنما يقتل المحتاج إلى الإغاثة أو هو على أقل تقدير يساعد على قتله..
لكن المهم أن يشعر الجميع بالراحة حيث تنتشر على طول الطريق الدائرى لافتات تأمرك بأن »تذكر الله« ولا تجد إجابة عن سؤالك من الذى زرع تلك اللافتات بأسماء الله الحسنى والتى تريح به الدولة التقية الورعة »ضميرها« وبعد أن نادت الدولة فى ثمانينيات القرن الماضى المواطنين إلى إزالة الشعارات الدينية من فوق سياراتهم منعاً للفتنة، أصبحت تصنع هى بنفسها هذه الشعارات بدلاً من الاهتمام بسلامة الطريق ووضع اللافتات الإرشادية التى تساعد على تفادى الحوادث المروعة التى باتت تداهمنا بصورة شبه يومية، ولا يهم أن تنفق آلاف وربما ملايين الجنيهات فى لافتات تحمل شعارات دينية لا تجد أى ترجمة لها على أرض الواقع.
فقد شعرت بغثيان قاتل وبأن حادث الدائرى كان »حادثة قرف« مما وصلت إليه أحوالنا وفهمنا للقيم وللرحمة والمبادئ الإنسانية التى هى جوهر الدين بدلاً من الاستعاضة عن ذلك كله بلافتات يؤكد هذا الحادث أنها جهد فى غير محله وأن الاهتمام بالمواطن الذى لا يكف عن ذكر الله ليعينه على ما يعانيه يحتاج إلى إصلاح الطرق وتشديد الرقابة على المخالفات خاصة من الشاحنات العملاقة التى يفعل سائقوها ما يحلو لهم على الطرق فى جميع أنحاء المحروسة التى تودع يومياً فلذات أكبادها ضحايا الحوادث والتى أصيبت بمرض السلبية المرعب.. فلا أحد يتقدم للمساعدة فى إنقاذ مصاب ينزف ولا أحد يفسح الطريق لسيارة إسعاف!ولا يفكر فى أنه كان من الممكن أن يكون هو المصاب.. القتيل بعد لحظات!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة