من ورق وأحبار صنعت "المصور" كسائر مجلات الدنيا.. من بشر جاءت أفكارها وكتبت سطورها، من عصارة الورق والأحبار والبشر على السواء، ثم اكتملت هذه الشجرة الصحفية الشامخة الوارفة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، فى البدء.. كانت المصور، قبل أية مجلة مصرية أو عربية أخرى وقبل 85 عاما، جاءت كأول مجلة مصورة وشاملة، لتفتح لمصر والعالم العربى أفقا جديدا فى دنيا المجلات.. وسرعان ما صارت المصور تتصدر المرتبة الأولى بين المجلات النطاقة بالعربية، لاسيما المجلات التى تعتمد على الصورة لا الكلمة فقط.. فى 24 أكتوبر 1924 جاء الميلاد على أيدى (أولاد زيدان)، ومنذ تلك اللحظة صارت الكلمة صورة والصورة كلمة، تلك المعادلة التى بدأت بها (المصور) وعليها تحيا، فى البدء كانت الكلمة.. فى البدء كانت الصورة.
الكلمة تكتبها أكبر الأقلام وأكثرها شعبية وتأثيرا، فتنحت فى العقول سطورا من نور، وتهدى للحائرين سبيلا إلى الحقيقة كما هى بحلوها ومرها، تعطى للعطشان إلى الكلمة كوب الماء كما هو بنصفيه المملوء والفارغ.. الكلمة فى المصور قادرة على النفاذ إلى الخيال والوجدان كالصورة تماما، والصورة فى المصور تلقى من الاهتمام بالتقاطها وإبرازها إخراجيا ما يجعلها تغنى أحيانا عن الكلمة، وتساندها فى كل الأحيان وتؤكدها.
"المصور" الشامخة، كافحت وحفرت لذاتها مكانة لا تطاولها مكانة ككبرى المجلات العربية المصورة، هى رأس عالم صناعة المجلات الحديثة فى مصر والشرق الأوسط، جزء كبير من شموخ المصور تاريخ عريض تستند إليه، أسماء جبارة فى بلاط صاحبة الجلالة صنعوها أو برزوا على صفحاتها قبل أن يصيروا نجوما، واستمرت أحبارهم تعطى وتعطى للمصور ولغير المصور، فكأن مجلتنا العزيزة الشامخة مفرخ حقيقى للكتاب العظام من كل المشارب.
من فكرى أباظة، بدأت رحلة الكتاب العظام من رؤساء تحرير هذه المجلة، التى عرفت أيضا أسماء مثل مصطفى وعلى أمين، ثم الراحل الكبير أحمد بهاء الدين الذى ولدت على يديه من جديد – شكلا وموضوعا – ثم تظهر أسماء قادت المصور فى السبعينيات من يوسف السباعى إلى أمينة السعيد وصبرى أبو المجد، ثم عميد المصور نقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد، ثم عبد القادر شهيب صاحب القلم الشريف النظيف، وصولا إلى ابن هذه المجلة الشامخة وكتيبته الشابة حمدى رزق.
وعلى صفحات المصور، تبارى كبار الكتاب فى بدائع الكتابة السياسية والاجتماعية والأدبية والفنية والرياضية، ففضلا عن الرواد من رؤساء تحريرها فى الزمن البعيد، كتب فيها د.طه حسين، وكتب فيها أنور السادات، وكامل زهيرى ورجاء النقاش وكمال النجمى وعلى الراعى ومحمد عودة وصالح مرسى وعبد النور خليل وفوميل لبيب ومحيى الدين فكرى وسكينة السادات وعبد التواب عبد الحى وأحمد أبو كف ويوسف القعيد وكثيرون يعزون على الإحصاء، بعضهم كان من قيادات المجلة وبعضهم استكتبتهم بانتظام على صفحاتها، وانعقدت بين القارئ وبينهم صلات حميمية على صفحات هذه المجلة على مدى عقود متصلة طويلة، تماما كهذه الصلة التى انعقدت بين عينى هذا القارئ وبين عدسات كبار مصورى المصور، وعلى رأسهم عميدهم الراحل الجميل شوقى مصطفى، أو بين عينيه وبين رسومات بهجت عثمان وحلمى التونى وعبد السميع البديعة.
فى 85 عاما تستند المصور إلى تاريخ متراكم بعضه فوق بعض درجات ومراحل، فى زمن طويل جرت فيه مياه كثيرة فى النهر، وهبت عواصف وظلت المصور قوية الأوتاد لا تهتز خيمتها التى لا يؤثر الزمن فى شبابها.
تبدلت المصور كثيرا، شكلا وموضوعا، غيرت من نفسها مع الزمن وواكبت الصحافة التى تحيط بها إقليميا وعالميا، ولم يفت فى عضد المصور تقلبات كادت تعصف بالصحافة القومية كلها فى مراحل شتى، وعوامل اقتصادية ضغطت على هذه الصحافة، بقيت (الشامخة) النبيلة – المصور – وخرجت من كل أزماتها، وجددت شبابها، وواصلت دورها.
وفى 85 عاما تأتى كلمة (الدور) تحديدا مقترنة بالمصور فى كل عصورها، فالمجلات أحيانا – حتى العريقة منها!- تفقد بوصلتها، جريا وراء عوامل التوزيع والإعلان، وهى عوامل وإن كانت حاسمة، إلا أن المصور لم تغير دورها من أجلها، وها هى المصور تحقق ما تريد اليوم سواء فى الإعلان أو التوزيع دون أن تتخلى عن دورها ولا عن سمتها الأصيل.. فأما السمت فهو المصداقية، أولا وثانيا وثالثا وأخيرا.. نعض عليها بالنواجذ، ونضحى من أجلها بوقت وجهد وأعصاب رافضين الاستسهال أو الرجم بالغيب، المصور تأخذ على عاتقها اليوم مثلما أخذت على عاتقها يوم ميلادها أن تكون صادقة ومعلوماتية ودقيقة، فى عصر ضربت فيه مصداقية الصحافة فى مقتل واختلط الحابل فيه بالنابل.
وأما الدور فهو إضاءة الطريق، التنوير وإشاعة الاستنارة بين الناس، بعد 85 عاما تقاتل المصور اليوم معركة النور ضد الظلام والظلاميين، والحرية ضد دعاة الانغلاق والكبت والتقييد، والعلم ضد دعاة الخرافة والزيف، وتشيع مناخ الإيمان بالحقيقة والحقيقة وحدها ضد من أشاعوا الكذب واعتمدوه منهجا وهم للأسف كثر فى مجتمعنا.
المصور فى عيدها الخامس بعد الثمانين على عهد القارئ بها، تتجدد، تغير الشكل، تقوى المضمون، تتمسك بالرسالة وتحافظ على السمت، تمضى على طريق تطوير كبير بدأت مراحله الأولى وفى جعبتها مراحل متعددة، تتجاور فى المصور اليوم أجيال من صحفيين شبان وكهول وشيوخ، جميعهم على قلب رجل واحد، جميعهم متيمون بحب هذه الشامخة، التى لا تستهلك شبابها أبدا، تجدده دوما وتفاجئ به من شاخ خيالهم.. وهذه الأجيال جميعا تربت فى مدرسة المصور الصحفية، تلك المدرسة التى جعلتهم جميعا دعاة حقيقة ومهمومين بالتجديد والتطوير.
(تورتة) المصور التى تتسع للشموع الخمسة والثمانين هى أعدادنا ذاتها، نعد هذه التورتة فى مطبخ المجلة، السهر والجهد والحب أولا وأخيرا منهج للعمل اليومى فى هذه المجلة، والتورتة مهداة فى كل مرة للقارئ لعلها تروقه!
غير أن المصور الشامخة، آن لها أن يحتفى بها، نحبها حقا.. ونريد لها احتفاء يليق بها، احتفالية مستمرة فى ذكرى صدورها الخامسة والثمانين، نبدؤها فى أواخر هذا العام، وتستمر طوال العام القادم إن شاء الله، مفاجآت هذه الاحتفالية ليست للنشر، لا يبوح المحب لمحبوبته بالهدية سوى فى ليلة الميلاد، لتكن مفاجأة، ولتكن مفاجآت.. غير أننا نعد بأن هذه المفاجآت التى سيحتويها برنامج الاحتفاء بالمصور على مدار عام كامل، ستليق بالمصور.. ستجسد همها الأول، النور الذى يجب أن يضىء للجميع، الكلمة الصادقة، اليوم والغد.. حاضر المصريين ومستقبلهم، ستعم البهجة احتفالنا بالمصور، سنسعد بها ونسعدها، ولكننا لن نتخلى فى احتفالنا هذا عن أهم ما فى المصور من المحاسن التى تستحق الثناء الكبير..الكلمة، والنور، والوطن.
الشامخة العزيزة المصور، ستظل شامخة نبيلة قوية، نأمل فى أن تزداد قوة وشموخا ونعمل على ذلك، ونحن مطمئنون إلى قدرتها المستمرة على النهوض، والتجدد، والسخونة، والاشتباك.. اطمئنان يدفعنا إلى احتفال من طراز خاص بعيد ميلادها الخامس والثمانين!
كل عام وأنت شامخة راسخة جديدة يا محبوبتنا.. المصور.
* نقلا عن المصور
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة