من بين كل الألقاب التى يحملها أى موظف مصرى، يبقى لقب «على المعاش» هو الأكثر تأملاً وإيلاماً، ومن يترقب الفترات الأولى لحاملى هذا اللقب، قد يلحظ أن علامات الشيب تدب سريعاً، وكأن سنوات العمل بحلوها ومرها تخفى تحت جلدها دلائل تقدم السن، وفور أن يخرج الموظف على المعاش، ينفتح صندوق العمر، فتتسرب منه تجاعيد الوجه، وربما انحناء الظهر، ومزيد من بياض الشعر وأشياء أخرى، وكأن سنوات المعاش التى تعد خلوداً إلى الراحة، لابد أن تقترن بكل ما يدل ويلح على الشيخوخة.
تلك هى ملامح أولى وشكلية عن أى موظف يخرج إلى المعاش، لكن ما يستوقف النظر فى هذه القضية - ونحن على أبواب تعديل أو تغيير وزارى - تلك المتعلقة بالوزراء الذين يخرجون إلى المعاش خاصة كبار السن منهم، فيودعون حياة السلطة بكل فتنتها، ويودعون حياة الأبهة التى كانت تعطى لهم صولجان إصدار القرارات التى تضبط حياة الملايين من البشر، ويودعون دأب حركتهم التى تعود الناس على رؤيتهم فيها، متعجبين من قدرتهم عليها، وكأنهم فى سباق اختراق ضاحية.
ومنذ أيام قليلة جذبنى تقرير رائع، أعدته جريدة الشروق عن الوزير أحمد العماوى وزير القوى العاملة السابق، يتحدث فيه الرجل عن حياته بعد الوزارة، وأكثر ما يلفت النظر فى التقرير، هو صورة العماوى المعبرة، والتى بدت فيها تجاعيد الوجه كثيرة وموحية، ورغم أن التجاعيد دليل قاطع على كبر سن الرجل وشيخوخته، إلا أن ما ذكره العماوى عن معاناته الحزينة الآتية من شعوره بالوحدة فى حياته الحالية، بالإضافة إلى شكواه من ضعف قيمة المعاش الذى يتقاضاه، يقودنا إلى الاعتقاد بأن وداع كرسى الوزير هو المهندس الفعلى لهذه التجاعيد، كما أنه سر الشكوى من ألم الحاضر.
شاهدت وقابلت وزراء سابقين بعد فترات قليلة من خروجهم من الوزارة، فلاحظت عليهم مفاجأة ظهور علامات الشيب التى كانت مخبأة طوال عملهم الوزارى، إما بصبغ الشعر مثلاً، وهى عادة يحرصون عليها بدرجة لافتة، أو التحايل لإخفاء تجاعيد الوجه بطرق عديدة، يعرفونها هم أكثر من غيرهم، لكن مالا نعرفه.. هل يحسب الوزير حسابه ليوم خروجه من الوزارة فيما يتعلق بمعاشه، حتى لا يشكو كما شكا العماوى؟، أم أنهم يعتقدون فى أبدية الكرسى، بعد أن أصبحنا بلدا يضرب به بالمثل فى طول بقاء الوزراء، وبالتالى لا يفكرون فى يوم خروجهم إلى المعاش؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة