خسارة العرب قضية تفرض نفسها كلما تجددت عاصفة من الخلافات بين مصر وأى دولة عربية، فرضت نفسها بعد زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس عام 1977، والتى أسفرت عن قطع العلاقات العربية مع كل الدول العربية باستثناء السودان، ومسقط، واستمرت المقاطعة حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضى، وتخللها رؤى وأفكار تدعو إلى اعتبار مصر ليست دولة عربية، وإنما هى فرعونية الأصل، وأن ما يقال عن انتمائها العربى هو مجرد ظرف طارئ فرضته الدعاوى السياسية القومية التى تزعمها جمال عبد الناصر فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، كما ظهرت دعاوى أن مصر تنتمى إلى دول البحر المتوسط أكثر من انتمائها إلى محيطها العربى.
تصدرت هذه الدعاوى مشهد الجدل الفكرى، بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وتزامن معها قطيعة عربية فى كافة المجالات، لكن لغة المصلحة أعادت هذه الدعاوى إلى الوراء، وبعد جهود دبلوماسية تم فيها استخدام وسائل سرية وعلانية، بدأت مصر فى العودة إلى محيطها العربى، وأصبح الجدل حول انتمائها العربى أشبه بالترف الفكرى الذى لا يستطيع الصمود أمام المصلحة.
ومع انفجار الموقف بين مصر والجزائر، قفز إلى السطح مرة أخرى من يتحدثون عن جريمة الانتماء إلى العروبة، وكأن المطلوب هو البحث عن حدود لمصر غير حدودها الحالية، والبحث عن لغة مختلفة غير العربية التى نتحدث بها، ومع تعالى هذه الأصوات التى استخدم بعضها قاموسا انفعاليا، ولغة رديئة فى الحوار، بدا وكأن المطلوب منا هو المسح بأستيكة على مصالحنا، والتعامل بنظرية الانكفاء على الداخل وترك الخارج الذى تربطنا به حدود كنا نحلم سابقا بإزالتها.
ملايين العمالة المصرية تعمل فى الدول العربية فى كل دول الخليج، والأردن، وليبيا، والسودان، ومع هوجة الغضب المصرى الجزائرى اكتشفنا أن هناك عمالة مصرية فى الجزائر، فهل نحن على استعداد لفك كل الأواصر مع هذه الدول ونستدعى عمالتنا من هناك، هل نحن جهزنا أنفسنا فى الداخل لإيجاد فرص عمل بديلة لهؤلاء فى حالة عودتهم جماعيا؟
صحيح أن هناك قوانين فى دول الخليج تنظم هذه العمالة مثل قانون الكفيل الذى يؤثر سلبيا على كرامة العمالة المصرية، لكن واجب الحكومة المصرية أن تبحث فى كيفية حل مشاكله.
ولا يقف المشهد عند حدود العمالة وفقط، وإنما بلغة المصلحة أيضا علينا مواجهة سؤال، هل نحن قادرون على فك الأواصر فى الاستثمارات العربية فى مصر، والاستثمارات المصرية فى الدول العربية؟
طرح الأسئلة لا يجب أن نفهم منه تجاهل كل ما يسىء إلى كرامة المصريين فى الخارج، عمالة كانت أو مستثمرين، فهذا أمر لا نقاش فيه، لكن المطلوب أن نضع كل شىء فى سياقه الصحيح، فلا يجوز فى هوجة الغضب أن تتداخل الأمور فى بعضها بالدرجة التى نخسر فيها ما يحقق المصلحة العامة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة