يروى الكاتب الصحفى الكبير أحمد بهاء الدين فى كتابه "محاوراتى مع السادات" أنه دخل الصحافة من باب الرأى وليس من باب الخبر والتحقيقات، ويؤكد أنه مر عليه المئات من الأخبار دون أن يعطى لها اهتمام بالدرجة الكافية، ويدلل على ذلك أنه فى كثير من الأحيان وقت أن كان رئيسا لتحرير الأهرام، وبعد أى لقاء كان يجمعه مع الرئيس الراحل أنور السادات، كان ينتظره رئيس قسم الأخبار فى الأهرام ليعرف منه الخبر الذى ستنفرد به الجريدة فى صباح اليوم التالى للمقابلة، فيصدم رئيس القسم من رد بهاء عليه بأنه ليس لديه ما يطلبه لأن الأمر لم يكن يشغله، فينزعج رئيس قسم الأخبار من رد رئيس تحريره الذى كان فى لقاء مع رئيس الجمهورية الذى هو بالطبع المصدر الخبرى الأول فى الدولة، ومع ذلك لم يلتفت رئيس التحرير الذى هو بقامة أحمد بهاء الدين لذلك.
طبيعة أحمد بهاء الدين المهنية المنحازة إلى الرأى، لم تمنع الصحفيين من اختياره نقيبا لهم، وهو لم يكمل بعد عامه الأربعين، والكل يعرف قيمة أحمد بهاء الدين، ولو أخذنا مثلا آخر هو الأستاذ كامل زهيرى، لوجدناه ينطبق عليه نفس المعيار فالرجل كان صاحب ثقافة موسوعية شاملة، وتاريخ النقابة يحفظ له معركته الشهيرة ضد الرئيس السادات، حين أراد السادات تحويل النقابة إلى نادٍ، فتصدى له ومن معه من أعضاء المجلس، وقال كلمته الشهيرة وقتها: "النقابة زى الست الغلبانة اللى يجى عليها ما يكسبش"، لم يكن زهيرى محققا أو مخبرا، ومع ذلك كان أستاذا رفيعا فى المهنة، ورحل زهيرى وفى تاريخه معركته الخالدة ضد مشروع السادات لتحويل النقابة إلى نادٍ، وبقت النقابة فتية قوية تستقبل أعضاءها الجدد، ورحل بهاء قبل زهيرى وبقى تاريخه الناصع لدى كل الأجيال الصحفية.
هذه الخلفية تصحح الكلام المغلوط الذى يردده البعض حول ضياء رشوان الذى يخوض جولة الإعادة على مقعد نقيب الصحفيين يوم الأحد المقبل فى مواجهة الأستاذ مكرم محمد أحمد.
وأما الكلام المغلوط فيتمثل فى اتهام ضياء بأنه باحث وليس صحفيا، بما يعنى أنه ليس فى دولاب العمل الصحفى بالمعنى التقليدى، هذا الكلام عجيب نسمع عنه لأول مرة فى معايير التصنيف الصحفى ومعايير الترشيح للعمل النقابى، ولو أخذنا به فعلينا أن نبحث عن كل الكفاءات المهنية فى الأخبار والتحقيقات ونتوجهم كنقباء أو أعضاء مجلس نقابة، حتى لو كانوا غير كفاءات فى العمل النقابى الذى يعطى الفرصة على قدم المساواة للكاتب الصحفى، والمخبر الصحفى والمحقق والعاملين فى السكرتارية الفنية، المهم أن يكون فهم الدور النقابى هو المعيار الأول والرئيسى فى الاختيار، ولو قلبنا قائمة أسماء نقابية مرت على النقابة وتوجد الآن أيضا، سنجد فيها أسماء _ دون ذكر أسماء _ لامعة نقابيا، وغير لامعة صحفيا، وفى المقابل سنجد أسماء لامعة صحفيا، وفقيرة نقابيا، وتم انتخابهم بمعيار النجومية الصحفية، ومع تجريبهم نقابيا وجد الناخبون الصحفيين أنهم لا يصلحون، ولم يعودوا لانتخابهم مرة ثانية.
تلك الحقائق تؤكد أن فى كل معركة انتخابية يستورد البعض خلالها معايير عجيبة، أقرب إلى معايير العنصرية فى العمل الصحفى، منها تلك الأكذوبة التى يرددها البعض فى حق ضياء رشوان المحترم شخصا وخلقا ونزاهة، بأنه باحث وليس صحفيا، وأخشى أن يصل هؤلاء إلى حد المطالبة بإسقاط عضوية الباحثين من عضوية النقابة، وأتمنى أن أسمع رأيهم فى شخص محترم مثل الدكتور عبد المنعم سعيد الذى لم يخلع رداء الباحث يوما، وتم تعيينه رئيسا لمجلس إدارة الأهرام، وكان قبل المنصب رئيسا لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، فهل يليق أن نقول إن الرجل بكل قيمته لا يصلح لهذا المنصب، لأنه لم يكن صحفيا وفقا لقاعدة الذين يختصرون العمل الصحفى فى التحقيقات والأخبار، وإنما كان باحثا لا يخرج عن قراءة الأبحاث ومتابعتها إلى فضاء الهم الصحفى العام؟
ضياء رشوان هو ابن شرعى وحقيقى لمهنة الصحافة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة