ماذا كسب؟ وماذا خسر؟.
سؤال يتبادر إلى الذهن لكل من يتابع تصريحات أيمن نور بعد خروجه من السجن، والذى دخله بتراث سياسى كونه فى فترة قصيرة بحساب عمره، فإلى البرلمان كان نائبا وهو فى الثلاثينيات من عمره، وأسس حزب الغد وهو فى مطلع الأربعينيات، وفى نفس السن خاض تجربة الترشح لرئاسة الجمهورية، وفى كل هذه المسارات كان هناك من يتهمه بالطموح الزائد، ومن يتهمه بأشياء أخرى تخرج عن أدبيات الاختلاف إلى التجريح الشخصى.
ربما لم يعمل أيمن لكل ذلك حسابا فى رسم مسيرته السياسية، لكنه تحمله بشجاعة نادرة، وفى السجن قرأ وعرف، وخاض قسوة الحرمان بالبعد عن أسرته، كبر أبناؤه بعيدا عن أحضانه وتلك ضريبة قاسية فى العمل السياسى، لكن أيمن واجهها بشجاعة تسانده زوجته العظيمة الوفية بعهدها معه.
صعد أيمن فى لحظتين فى مسيرة المشهد السياسى فى مصر، الأولى حين دخل البرلمان لأول مرة عام 1995 فى دورة انتخابية اكتسبت سمعة سيئة بسبب عدم وجود إشراف قضائى، وكانت استكمالا لمسلسل التزوير الذى اشتهرت به الانتخابات السابقة، أما اللحظة الثانية فبدأت بنجاحه فى انتخابات عام 2000 التى أشرف عليها القضاء فأعطت مصداقية لنجاحه السابق، وكانت هذه الانتخابات الشرارة الأولى فى الحراك السياسى الذى حدث بعد ذلك، وأسفر عن ميلاد حركات احتجاجية أبرزها حركة كفاية، ثم حركة 9مارس فى الجامعات، واحتجاجات فئوية بين العمال والموظفين، بالإضافة إلى حالة الغليان التى شهدها القضاة، وتخفيف القيود عن إصدار الصحف المستقلة، وميلاد حزب الغد الذى بدا من ظهوره الأول أنه حزب خرج للمنافسة وليس للديكور، واستكملت هذه اللحظة تجلياتها بالتعديل الدستورى الأول الذى سمح بإجراء الانتخابات الرئاسية بين أكثر من مرشح، وكان أيمن أحد المرشحين.
خرج أيمن من السجن وكل المؤشرات تقود إلى أننا نعود إلى ما يشبه اللحظة الأولى، فالحركات الاحتجاجية تراجعت، وأحزاب المعارضة تواصل إدمان لعب دور الكومبارس، وأجيال جديدة تدخل الملعب دون أن يكون لها مرشد سياسى يستطيع استثمارها، وجرت تعديلات دستورية أخرجت القضاة من الإشراف القضائى على الانتخابات، مما يؤكد أننا سنشهد انتخابات بالتفصيل يقودها مرشحو تقفيل الصناديق، وأصحاب المليارات الذين يسعون إلى التزواج بين الثروة والسلطة، سنشهد انتخابات سيتم فيها توزيع الحصص على الأحزاب لاستكمال الديكور الديمقراطى، وبالشكل الذى يضمن الأغلبية الكاسحة للحزب الوطنى حتى يستكمل مخططاته.
وطبقا لهذه القراءة فإن أمام أيمن نور مزيجا من التحديات التى يجب أن يتوقف حيالها كثيرا، وأولها يأتى مما يذكره بأن إعادة بناء حزب الغد هو المهمة الرئيسية التى سيتصدى لها، وفى هذا السياق أدعوه لأن يتمهل قليلا فيما أعلنه عن قدرته على ضم العديد من النواب إلى الحزب، ودعوتى مع احترامى لأيمن لا تأتى من زاوية الإقلال من قدراته، ولا تأتى قفزا على ما يراه هو ونحن لا نعلمه، وإنما تأتى من مراقب تمنى النجاح لتجربة الغد كإضافة للتجربة الحزبية، ومن موقع المحب لأيمن كابن جيل، فتجربة الماضى أثبتت أن هذا النوع من التجييش سواء داخل البرلمان أو خارجه أضر بتجربة الغد أكثر مما أفاد، فمبدأ التجييش دون وجود رابط فكرى متين يجمع ما بداخله، يؤدى إلى الضياع فى أول معترك صعب يقابله.
وحين طرح الغد الليبرالية وعاء سياسيا له، ودعا كل من يعتنقها إلى الانضمام له، جرى إلى الحزب من أراد، متسلحا بالفضاء الواسع لليبرالية، وبدون فهم لأصولها ومسئوليتها، وبالتالى اجتمع فى «الغد» الصالح والطالح، ربما لحب البعض لزعيمه أيمن نور، وربما لأن خيالهم ذهب إلى أن الحزب الوليد لن يكون شوكة فى حلق الحكومة، وربما فهموا من حماس أيمن نفسه وتفاؤله أن اقترابهم من الإمساك بالسلطة قاب قوسين أوأدنى، وربما أشياء أخرى، لكنها جميعا أدخلت معها أول أنابيب الانفجار فى الحزب، والمسئولية هنا فى ظنى تقع على أيمن الذى طرح حزبه برومانسية أكثر من الحقيقة.
جاءت تجربة السجن لأيمن لتكشف له من خانوه ومن باعوه، ولتؤكد له أن بناء الحزب ليس كما مضى، ولا يصلح مبدأ التجييش، وبالتالى ليس كل من يرغب فى الانضمام يتم ضمه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة