يونس العمورى

فى عبثية الفوضى

الأحد، 08 مارس 2009 02:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حينما يختلط الحق بالباطل ويصبح الباطل سيد الموقف، لابد من إعادة لتمركز المفاهيم وتعريفها والاتفاق على شكل وطبيعة منطلقاتها، وتحديد المعايير والمقاييس التى من خلالها من الممكن تحديد حقيقة الموقف، وطبيعة المعادلة الفعلية لخارطة التناقضات الحاكمة للفعل ولردات الفعل، وللحدث وتأثيراته على مختلف المستويات، وطبيعة صناعة المواقف اتجاه أى من القضايا المتفاعلة على مختلف الساحات، حيث إننا نعيش فى عصر ما عدنا من خلاله نستوعب الحدث، وبالتالى صارت الخربشة إذا ما جاز التعبير سيدة الموقف، وليس أدل على ذلك إلا ما بتنا نتلمسه بظرفنا الفلسطينى المعاش والتأثير المباشر لإرهاصات الوقائع العربية وتصارع المصالح التى باتت جزءاً من أجندة الفعل العربى، حيث إن هذا التصارع إنما يعبر بالأساس عن تصارع القوى الدولية بشكل أو بآخر وانعكاساً لها.

أستطيع أن أستوعب حجم الخربشة التى يعايشها المواطن الفلسطينى اليوم، فكل شىء بات متغيراً وعلى الأقل غير مفهوم، بل إنه غير منضبط السياق فى إطار الفهم المنطقى والمتسلسل لقياس الأبيض والأسود وببساطة الأشياء لماهية الأبيض وذاك الأسود، وما هو الصالح وما طبيعة الطالح، بمعنى أن ثمة فوضى كبرى تغزو وجدان التفكير لدى الكثير من البسطاء، وحتى ممن يدعى أنه يعى قوانين اللعبة الدائرة رحاها الأن فى المنطقة، فهناك انقلابات كبرى تحدث فى أنماط التعاطى والتعامل والقضية المركزية للوجود القومى العربى ولطبيعة مناهج إدارة الأزمات التى تعج بها الساحة العربية، وتلك التى بلا شك قد صارت جزءاً من فعل التأثر والتأثير على الساحة الفلسطينية، حيث صار من الطبيعى أن نشهد الكثير من المفاجآت التى قد تصل إلى درجة التحول فى الفهم وانقلاب المفاهيم المنطقية للأمور كان تتصدر صغار الدول فى المنطقة معسكر ما يسمى بالممانعة، وهى التى يتمركز على أراضيها أكبر الأساطيل الغازية لقوى الهيمنة والاستعمار واستعباد الشعوب .. وأن تصبح تجارة المواقف وبيعها وشراؤها واحدة من النمط العام الذى يسود العلاقات الدولية ما بين أجزاء ما يسمى بالوطن العربى، والذى أصبح الخلاف عليه وعلى تسميته وحتى على ترابطه أمراً فيه وجهة نظر.

فالقطرية وسيادتها صارت هى سيدة الموقف والشغل الشاغل لحكام هذه الأقطار وسياسة المناكفة ما بين العائلات الحاكمة والمسيطرة هى الشغل الشاغل للفهم الدبلوماسى والتشويه وأحد مستلزمات العمل وأدواته والقفز عن الحقائق ومحاولة لى الأذرع مباحة بكل الأوقات والأزمان، والكل يتغنى بشعارات باتت مفرغة من محتوياتها العروبية القومية وحتى الوطنية التى من المفروض أنها منطلقة من الفهم الشعبى الجماهيرى لماهية مصالحها وأهدافها والأثمان تدفع سلفاً لصالح الغول المتغول المسيطر على قوانين اللعب فى المنطقة من خلال الهوامش الممنوحة لهذا القطر أو لذاك البلد، وحيث إن سيد اللعبة قد أضحى مكشوفاً ومعروفاً، فلابد من إطاعة الأمر وإلا فالعقاب بالانتظار من خلال الهجوم المضاد على الحاكم والنظام بسيف الديمقراطية والشفافية وما يسمى بالعدالة، ليُصار بالتالى إلى الإطاعة وإلا فستكون الإطاحة وتسويق مفاهيم الديمقراطية الكاذبة كما هو الحال ببلاد ما بين النهرين التى جاءته الديمقراطية على متن دبابة غازية، والكل كان متفرجاً ويشهد إعدام العراق على مقصلة الذبح .. وأن يصبح الجهاد فن من فنون القتل والتقتيل لكل من يختلف مع أولى الأمر فينا وفيهم مباح ومستباح، والطريق إلى الجنة لا يمر إلا عبر القتل على الأشهاد، وتسويق ثقافة الموت التى صارت جزءاً من مشهد العصر على حساب ثقافة رغد العيش أمراً مقبولاً بل واجباً تصل إلى حد الفرض الإلهى لصناعة النصر بصرف النظر عن الناصر والمتتصر وذاك المنهزم، ولابد من إلقاء الخطبة العصماء بحضرة الركام وغمام الغبار .. وحتى يكون للنصر ثقافة مؤدلجة إذن لابد من إقصاء الآخر الذى من الممكن أن يكون الشريك بالحلم وبلقمة العيش .. عبر التشويه تارة ومن خلال رميه بأحضان الرذيلة تارة أخرى وكل شىء مباح فى سبيل إحقاق النصر وتطويعه.

وأن تصير واحدة من أعرق حركات المقاومة الفلسطينية هدفاً لتصفية الحسابات الأيدلوجية لا لشىء إلا لكونها متربعة على عرش إدارة الشأن الفلسطينى العام فيه الكثير من التجنى على التاريخ، وأن تصبح بالمقابل المقاومة وفعلها درباً من دروب الجنون والعبثية والاستثمار الخاسر للشعوب فيه الكثير من خربشة لموازيين الجماهير وأحقيتها بالدفاع عن الذات وإعادة لتموضع الفهم من جديد ومصالحة الشاة مع السكين .. ويبقى الثابت الوحيد هو المتغير فى عوالم تحكمه مصالح البزنس والإتجار بالشعوب واحدة من أساليب الفهلوة والتشاطر على صناعة الحدث .. بأسلوب التلصص وشراء الذمم وبيع الدول وحتى بيع الإنسان قد يصبح الحقيقة الراسخة بهذا الفهم المتجدد الجديد .. وأن يتم استهداف من يحاول أن يقرأ التاريخ ويغوص بجمالية الإنسان الأول بخان الخليلى وبأسواق أم المدائن العتيقة قد صار موضة تستوجب فعل القتل لإثبات الوجود.

الفوضى هى الحاكمة الآن بلا منازع، وفن الحوار هو النهج السائد لحل الخلاف ولا مكان لمن يمارس الصراخ بوجوب الحياة إن استطاع إلى ذلك سبيلاً ولا مكان لفقراء الليل تحت الشمس، فإما أن تكون ضمن جيوش الفعل لصناعة النصر الإلهى أو أن ترتضى لذاتك مكاناً فى صفوف الخونة والتخوين .. وإن أردت أن تكون هناك بالمكان الذى ترتضيه لنفسك ولذاتك ولانسجامك ومفاهيم الأبيض والأسود وتداخل الألوان فيما بينها، فلابد من أن تكون عبثيا تارة وكافراً أحياناً، ومن الممكن أن يستباح دمك على مذابح قراءة التاريخ للمدينة العتيقة .. وأم المدائن لا تنتمى لأى ممن يتمنطقون اليوم باسمها فهى الفقيرة لعشاقها والحاضنة للصراخ المرتد عن جدرانها وأسوارها ولا تكفر أحداً من روادها، والكل لديها سواء ومعيارها صمودها وبقاؤها، وهى الجميلة وتحب الجمال والعاشقة الحبيبة لعشاق ليلها وتحنو على صراخ رجالها وغير معنية بالعبث العبثى من وراء القول العبثى بحضرتها.

إذن نحن نعايش عصر اللافهم الآن وعصر انفلات القوى من عقالها، والقول الفصيح بالكلام المباح بكل الاتجاهات، وهو كلام لصناعة البلاغة ليس أكثر لتسجيل النقاط على الخصم الكافر أو ذاك العبثى بحضرة الوطن .. والوطن قد يكون ظالماً أو مظلوماً لا فرق ما دام الإنسان مستباحاً ووقوداً لتأجيج نيران صناعة الزعامات والمماليك بكل الإقطاعيات المُمزقة لجغرافيا الوطن.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة