عصام عبدالعزيز

البهائية ... الإغواء الأخير للدولة المصرية

الأربعاء، 15 أبريل 2009 10:55 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن الدولة، أى دولة، يقوم دورها أساسا على حماية المواطنين المنتمين إليها، وتنظيم شئونهم وإدارتها لتحقيق أفضل مصلحة ممكنة لهؤلاء المواطنين. والدستور، أى دستور، ما هو إلا مجموعة من القواعد المنظمة لهذه العلاقة بين الدولة والمواطن. ومن أهم بنود الدستور تلك التى تقوم على أن المواطنين، كل المواطنين، يجب أن يكونوا سواءً أمام القانون، وإجبار الدولة على التعامل مع كافة المواطنين بشكل متساو فى كل شىء.

وحينما يحدث خلل ما فى هذه المساواة سواء بوضع مجموعة من القوانين التى تقوم على تفضيل عنصر ما على باقى العناصر أو بقيام الدولة بمجموعة من الأفعال أو الأقوال التى تنطوى على تمييز عنصر ما عن باقى عناصر الشعب. فإن المجتمع يبدأ فى الانحلال والتفكك.


فمن البديهى أن تحاول العناصر الأخرى التى تشعر بالاضطهاد أو على الأقل التهميش فى إثبات وجودها وتأكيد حقها فى وطنها سواء بشكل سلمى أو بشكل عنيف. وفى ظل غياب مشروع قومى ووطنى تتوحد خلفه كل الأطراف، فإن هذا التفكك يصبح أسهل وأسرع.

إن ما يحدث فى مصر منذ السبعينيات، خير مثال على ما سبق، فمنذ انتهاء الصراع المصرى الإسرائيلى بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وقيام الإعلام الساداتى بالضغط على الشارع المصرى بقبول هذا السلام المزعوم، أو على الأقل بقبول انتهاء الحرب، انتهى المشروع التحريرى الذى كان يجمع أطياف الشعب المصرى.

وباتجاه النظام الاقتصادى الساداتى نحو الانفتاح والتخلى عن المشاريع الاقتصادية الكبرى، والاكتفاء بالمشاريع الاستهلاكية، انتهى أيضا المشروع الاقتصادى الذى كان يجمع الشعب المصرى حوله، ويكفى أن نتذكر الوضع أيام إنشاء السد العالى وغيره من المشاريع الاقتصادية الكبرى.

ويمكن أن ينطبق هذا الكلام على الثقافة والتعليم وغير ذلك. بل وصل الأمر إلى فقد المشروع العربى ومحوره الرئيسى – القضية الفلسطينية- بعد أن تم تفكيكها ما بين الصراعات الأيديولوجية الداخلية بين فتح وحماس، والخارجية بين سوريا وإيران وحزب الله من ناحية ومصر والسعودية من ناحية أخرى.

بالتأكيد كل هذا وغيره كان له انعكاسه الظاهر على سلوكيات وطرق تفكير المجتمع المصرى بأكمله وفى القلب منه الشباب، وفى غياب المشروع الوطنى والعربى لم يبق سوى المشروع الدينى، خاصة إذا تم إذكاء هذا المشروع من قبل النظام الرسمى سواء بقصد، كتجربة السبعينيات، أو بدون قصد، وتكون النتيجة الطبيعية والمتوقعة هو كل ما نراه ونسمعه الآن من صراعات تبدأ بمجموعة من المقالات والكتب، وتنتهى بكارثة. أعتذر عزيزى القارئ على هذه الإطالة المقصودة والضرورية، ولكنى أستسمحك أن تستطيع معى صبرا.

إن ما يثار الآن حول البهائية هو ما يجعل هذه الكلمات ضرورية، فأنا لا يعنينى البهائية فى حد ذاتها، ولا يعنينى أن تكون ديانة أو ملة أو هاجسا حتى، كما لا يعنينى كونها صحيحة أم غير ذلك، فهذا يخص منتميها، ولكن ما يعنينى هو أن مجموعة من المواطنين المصريين –مهما كان عددهم- قد اتفقوا وتراضوا على انتماء إلى فكر ما – مهما كان رأيى الشخصى أو رأى الآخرين فيه- فى داخل إطار من القواعد والقوانين تنظم هذا الانتماء دون أن يجور على حقوق الآخرين ولا يزيد من واجباتهم، وبالتالى لا يسبب لهم أى إيذاء على أى مستوى من المستويات.

وبرغم ذلك يقف الكثيرون من المخالفين لهذا الفكر أو الدين ليعلنوا وهم على ثقة من أمرهم، أن وجود هذه الفئة بينهم أشبه بالطاعون بين الأصحاء. وأن الخطر كل الخطر فى حصول هذه الفئة على حقها فى التواجد والمواطنة والمساواة بينها وبين فئات الشعب.

ومن المثير للدهشة هو أن نرى هؤلاء المطالبين بإعدام البهائية والبهائيين، هم أنفسهم الذين يتباكون على التقدم والحرية، حين تقوم إحدى الدول باضطهاد محجبة أو ملتحٍ، بالرغم من أنهم يقومون بنفس الشىء بزعم امتلاكهم الحقيقة المطلقة والنور الهادى.
ومن يقرأ سيرة ابن هشام وتحديدا الجزء الثانى صفحة 183، ويقرأ رد أبو جهل على حكيم بن حزام فى مستهل معركة بدر، حينما يقول أبو جهل (والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد) يعرف أن حتى أبو جهل يظن أنه يمتلك الحقيقة وأن محمد (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه هم الخارجون عن الناموس وهم أصحاب البدع، بل أكثر من ذلك نجده يقسم بالله أن الله نفسه هو الحكم بينه وبين هؤلاء المارقين المدعيين من وجهة نظره بالطبع.
إن كل ما سبق يؤكد أن الدين أى دين هو صحيح من وجهة نظر صاحبه وبالطبع خاطئ من وجهة نظر الآخر، وبالتالى يتوجب الصراع ليثبت كل طرف دينه ويعليه على الآخر، خاصة كما قلنا سابقا فى ظل غياب مشروع توحيدى يجمع كل هؤلاء تحت لوائه.

إن هذا الاختبار الصعب الذى تقف أمامه الدولة المصرية متمثلا فى البهائية، هو آخر اختبار سلمى قد يخوضه هذا النظام، وليس أمامه سوى الاختيار بين إرضاء طرف يرى أنه الأصح والأعلى، وبذلك يعيد التجربة الساداتية مع التيار الإسلامى فى أواخر السبعينيات، والتى بدأت مع الإخوان كتيار معتدل وانتهت مع الجهاد والجماعة الإسلامية كتيارات راديكالية تطورت وخرجت من عباءة الاعتدال المزعوم. أو اختيار المبدأ بصرف النظر عن الأطراف، وهو أن الدولة ملك للجميع بشكل متساو يحكم علاقاتهم دستور تنفذه آليات واضحة، وأعنى بهذا الاختيار هو الدولة المدنية القائمة على المواطنة والحرية لأفرادها فى الانتماء إلى تياراتهم السياسية والدينية والثقافية، دون تجاوز حقوق الآخر فى مزاولة نفس الحقوق.

إن ما يحدث الآن هو آخر إغواء للدولة المصرية، إما أن تقع فريسة هذا الإغواء فنخسر جميعا، مسلمين وأقباط وبهائيين وملاحدة وغيرهم، أو أن تقاوم هذا الإغواء فتختار الطريق الأصعب والأصح، وهو الدولة المدنية العلمانية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة