يونس العمورى

حركة فتح وفعل اندثارها الراهن

الثلاثاء، 26 مايو 2009 08:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وكأنه يُراد لحركة فتح أن تنتهى وأن يتم اندثار مشروعها، وإسدال الستار على تاريخها، وكان السيناريو المرعب الذى نشهد فصوله بالظرف الراهن يوحى بأن ما وراء الأكمة ما وراءها. فبعد سلسلة طويلة من تباين المواقف وتصارع البيانات وضياع الحقائق واختلاط الحق بالباطل، وتداخل كل مفاهيم الفعل التحررى وانقلاب قوانينه واستحداث هجائن جديدة من شأنها إعادة التموضع من جديد بكل ما يتصل بالقضية الفلسطينية، بثوابتها وحقائقها من خلال إعادة صياغة المشروع الوطنى، ليكون له كما يُراد أن يكون منسجما ومتوافقا والأطروحة (السياسية المتعولمة) المستندة لقوانين العصر الحديث، واقتصاديات السوق والتسليم بالأمر الواقع، من خلال خلق ساحات جديدة للصراع، لضمان فعل السيطرة العالمية على كل مناحى اللعبة الإقليمية، وللإمساك بخيوط هذه اللعبة، وحيث إن المنطقة الشرق أوسطية هى المنطقة ذو الحساسية العالية والمحددة لطبيعة توجهات السياسات الدولية وأشكال الفعل الأممى، كان لابد من خلق صراعات تأخذ الطابع الاستنزافى أكثر، أو بالأدق كان لابد من حرف مسار قضايا المنطقة عن مسارها التاريخى ومنطلقاتها الأساسية وتحويرها، وزج عوامل جديدة فيها ليكون بالإمكان من خلال ذلك الإبقاء على جذوة الصراع الذى يخدم مصالح الدول الكبرى وتحديدا المصالح الأمريكية فى المنطقة، وتحقيق القاعدة الاستقطابية لمعسكر السياسات الاحتلالية والسيطرة على شعوب المنطقة، وبذلك كان لابد من إبراز الواجهة الأيدلوجية للصراع، وفى هذا السياق كان لابد من إقحام تصارع العقائد الدينية فى خضم الصراع العربى الإسرائيلى ليُصار بالتالى إلى إمكانية إلصاق تهمة الإرهاب وتسويقه، وبالتالى ضرورة مواجهته من قبل (العالم الحر)، وحتى يستوى هذا الأمر نجد أن فعل الاستقطاب المُشار إليه قد امتد، بل ونجح فى اختراق الجبهات الائتلافية الوطنية فى المنطقة، والتى كانت تواجه الفعل الاحتلالى الكولونيالى بشكل منسجم وخطوط المواجهة العريضة.

وفعل الاختراق هذا استند بالأساس إلى زعزعة الجبهة الائتلافية من خلال العديد من الأساليب والوسائل لعل أهمها على الإطلاق تمثل بتفريغ الحركات الوطنية ذات البعد الوطنى العروبى القومى بالوعاء العلمانى من محتوياتها الوطنية، أو على الأقل لربطها بمسار الفعل السياسى المرتبط بالأطروحة السياسية للراعى الأكبر فى المنطقة، وبالتالى خلق الفجوات العميقة ما بينها وبين قوانين فعل التحرر وزج وتأجيج التناقضات مع باقى تشكيلات الحركة الكفاحية النضالية، باختصار كأنه يُراد زج عوامل جديد بالصراع مع الدولة العبرية تأخذ المنحى الأيدلوجى فقط لا غير، بمعنى زج المسألة العقائدية وإبرازها وكأنها هى الأساس، وتحويل الصراع إلى صراع دينى من الطراز الأول، ليُصار بالتالى إلى خلق الفزاعة الإرهابية لتبرير ما يمكن تبريره من ممارسات دولة الاحتلال وسياساتها، وهذا السيناريو يتطلب أولا وقبل كل شىء ضرورة إنهاء العصب الأساس للحركة الوطنية الفلسطينية عبر تفريغها من محتواها النضالى الكفاحى، وإجراء جملة من المتغيرات على برامجها ومنطلقاتها، والتلاعب بمفاهيم فعل التحرر والتحرير ولجم تطورها وخلق التناقضات ما بينها وبين كافة تشكيلاتها، مما يعنى رفع درجة التناقضات، والمفروض أنها ثانوية ما بين التكتلات الوطنية فى جبهة المقاومة للحركة الوطنية إلى تناقض رئيسى، وفى بعض الأحيان إلى أساسى، بمعنى تأجيج الصراع الفكرى الأيدلوجى ليأخذ الطابع السياسى المصلحى ما قبل إنجاز المهمات الوطنية لحركة التحرر، وهذا لن يتم إلا من خلال دفع الواجهة الأيدلوجية ذات البعد الدينى العقائدى إلى الواجهة، وتفريغ أو محاولة تفريغ عصب الحركة الوطنية من مضامينها التحررية، وتمييع خطابها وتسويقه ليتناسب والأطروحة الليبرالية إذا ما جاز التعبير، وحتى نسمى الأشياء بمسمياتها أكثر فإن ما يجرى على الساحة الفلسطينية بالظرف الراهن يصب بشكل أو بآخر بهذا الاتجاه، فبلا شك إن الصراع القائم الآن ما بين حركة فتح وحركة حماس قد أخذ طابعا تصارعيا فعليا، حيث التشدد من قبل حركة حماس ودفع الخطاب الدينى الأيدلوجى إلى الواجهة التى تتجاوز من خلاله الخطاب السياسى الوطنى، حيث صار وفى الكثير من المحطات خطاب حركة حماس خطابا أيدلوجيا يعبر عن منطلقات الإسلام السياسى المستند إلى فكرة شمولية أطروحة الإسلام السياسى العقائدى، وتحديدا المستند إلى خطاب وتوجهات حركة الإخوان المسلمين وكل ما يتصل فيها، والخطر الأكبر من هكذا أطروحات فى ظل وقائع القضية الفلسطينية، وتشرذم الحركة الإسلامية عموما، هو نمو الحركات الإسلامية الأصولية المتطرفة والتى تنحو إلى فكرة إقصاء الآخر، وعدم تقبل المعايشة المشتركة معه وسيطرتها على المشهد المحلى، وهو ما نلحظه بشكل أو بآخر على مختلف الساحات المؤثرة بالصراع العربى الإسرائيلى، حيث تنامى فعل الحركات الأصولية مؤخرا بالمنطقة وخلق وتأطير التشكيلات التنظيمية لها كحركة فتح الإسلام على سبيل المثال بالشمال اللبنانى وبعض التشكيلات الصغيرة القابلة للتطور فى قطاع غزة...

وبالمقابل فإن حركة فتح ومن خلال خطابها الرسمى وعلى لسان رأس هرمها، ومن خلال مشهدها الراهن قد صارت تعبر عن الأطروحة السياسية الليبرالية المصتدمة وفكرة المقاومة ومسار الفعل التحررى المستند إلى قوانين العملية النضالية، حيث أصبح من هو مسيطر على قرار حركة فتح يعبر عن المسار السياسى الليبرالى الذى يتعاطى والقضية الفلسطينية بقوانين العمل السياسى الدبلوماسى، مراهنا على إمكانية إحداث فعل التغيير فى موازيين القوى الإقليمية الدولية، ليس أكثر مما يعنى إحداث الانقلاب المطلوب بالمفاهيم الجذرية لفتح، وهو ما يُراد له يشرعن من خلال العديد من الوسائل، لعل أبرزها السعى لعقد المؤتمر العام السادس لفتح وفقا لمقاييس ومعايير، هكذا أطروحات لضمان السيطرة على التوجهات السياسية من خلال البرنامج السياسى العتيد المتطابق لما يسمى بفهم حيثيات المرحلة سياسيا، وضرورة الأخذ بالواقعية السياسية، لتتكون بالتالى محددات المسارات السياسية ومناهج الفعل العام بالإطار العام، وكل ذلك يتم فى ظل إعادة التموضع من جديد وصياغة مفاهيم العمل الفلسطينى الرسمى بشكل أو بآخر لتصبح المسألة الفلسطينية قابلة للأخذ والعطاء وللبيع والشراء على قاعدة الواقعية السياسية وتحقيق ما يمكن تحقيقه (خذ وطالب).....

لابد من أن نلاحظ فى ذات الوقت أن ثمة عمل آخر وعلى جبهات أخرى تهدف فيما تهدف إلى استبعاد حركة فتح عن واجهة القيادة الفعلية للمشروع الوطنى، وليس أدل على ذلك سوى ما جرى ويجرى بمسألة تشكيل الحكومة الحالية، حيث تم التعمد بأن يتم التعامل والتعاطى مع الحركة من خلال الشخوص فقط لا غير وفى أحسن الأحوال من خلال تيارات بعينها بعيدا عن التعاطى الرسمى والحقيقى مع فتح، وهذا يدلل بشكل أو بآخر على استبعاد فتح عن واجهة القيادة.....

أعتقد أن السؤال الأعظم الذى نواجه وتوجهه حركة فتح، ويتطلب الإجابة عليه ومن خلال المؤسسات الرسمية للحركة، وعلى رأسها مؤسسة المؤتمر العام للحركة والذى يتمثل بضرورة إعادة تعريف هوية حركة فتح ومفاهيمها بالظرف الراهن.. بمعنى آخر يجب أن تحدد حركة فتح طبيعتها وشكلها وهل ما زالت تعتبر نفسها حركة تحرر وطنى أم أنها تعتبر ذاتها إطارا سياسيا يتعاطى بالشأن السياسى الفلسطينى العام، من خلال النشاط الدبلوماسى ومحاورة الدولة العبرية والعالم فقط من خلال المفاوضات والمفاوضات فقط.. أم أنها حركة تعتمد كافة الأساليب والوسائل الممكنة فى سبيل تحقيق الحرية والسيادة والاستقلال وتقرير المصير، من خلال بناء الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وحق عودة اللاجئين، وذلك عبر وسائل التحرر والتحرير المعلومة والمعروفة، أى من خلال العمل الثورى النضالى بأدواته المختلفة الجماهيرية والشعبية وبأرقى أشكال العمل الثورى النضالى (الكفاح المسلح) بأسلوب حرب الشعب.. وأنا هنا لا أمارس فعل التنظير الأجوف أو التنظير النظرى، وإنما أتحدث من صلب أدبيات حركة فتح الأساسية التى تم تشويهها وحرفها عن مسارها.. وكل ذلك يعتمد فى رأيى على الإجابة على السؤال الأشمل والأعم والمتمثل بتوصيف طبيعة المرحلة التى تمر بها القضية الفلسطينية... أى ضرورة أن نعى وأن نتفهم أن فلسطين ما زالت محتلة من نهرها إلى بحرها، وبالتالى فالمرحلة مرحلة تحرر وطنى وهذا يفرض أدوات وطبيعة وسائل العمل ...

إنه وأمام المعطيات المُشار إليها أعلاه وحسب حالة التوصيف الراهنة، بات من الملاحظ أن العمل الجارى حاليا هو إحالة القضية الفلسطينية إلى قضية لها ارتباطات محورية ممزقة ما بين محاور الصراع الدولى الإقليمى، وهو ما بات ملموسا ومتمظهرا على الساحة الآن، وحيث ذلك فإننا نرى وبأم العين أن المؤسسة الفلسطينية الرسمية قد تحولت إلى مجرد مؤسسة تسعى لأن تستقبل المساعدات الدولية المشروطة بالمسار السياسى العام، وحيث ذلك نلاحظ أن السلطة الفلسطينية قد تم ربط مصيرها ومصير استمرار دعمها من قبل الدول المانحة، وصناديق الدعم العربية والدولية بشخص بعينه بل وبطاقم معين. وبالتالى ثمة اعتقاد (وهذا الاعتقاد له ما يبرر حقيقة وجوده) أن هناك قرارا بمنع حركة فتح من العوده لقيادة الشعب الفلسطينى، وثمة برامج يتم إعدادها، ويتم تنفيذها تهدف إلى إخراج فتح من الساحة السياسية النضالية وإنهاء مشروعها بالكامل.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة