بعد 57 عاما من قيام ثورة 23 يوليو، تبدو مبادئها كمصابيح هادية، وقيم أساسية تضبط عليها بوصلة هذا الوطن، ولهذه المصابيح من يحدب عليها، ولهذه القيم من يسهر عليها يصون ويحمى ويحرس، وإن كان لثورة يوليو اليوم من رجل يحمى مبادئها ويصون قيمها، فإنه الرئيس مبارك المنتمى إلى الثورة، والذى جاءت سياساته منذ تولى مسئولية دفة مصر وحتى اليوم، ترجمة للأهداف الكبرى لهذه الثورة بصيغة العصر، مع إعلاء المصلحة الوطنية العليا فى كل مرحلة. للثورات ثوابت وما أكثر هؤلاء الذين أرادوا أن يعبثوا بقدسيتها أو يتاجروا بسموِّها، ووحده الرئيس مبارك تصدى بمواقفه وسياساته لكى يصون ثوابت الثورة.
قامت الثورة تدافع عن حق مجتمع كامل فى مواجهة (مجتمع النصف فى المائة) الذى كان يملك كل شىء فى عصر فاروق وأسلافه، ورفعت الثورة راية العدل الاجتماعى.. وبرغم أن العالم منذ أواخر الثمانينيات وحتى اليوم يرفع راية (اقتصاد السوق)، وينبذ فكرة العدل الاجتماعى، إلا أن (مصر _ مبارك) التى تبنت بدورها اقتصاد السوق، آلت على نفسها إلا أن تضع نصب أعينها طوال الوقت (البعد الاجتماعى) فى سياسات السوق، ومع كل تحول اقتصادى جديد _ وإن كان طفيفا _ يأتى الرئيس مبارك مطالبا بمراعاة ذوى الدخول المحدودة، ومؤكدا صيانة حقوق العمال، منتصرا للفلاح المصرى، ولكل الأيدى الكادحة، صحيح أن العصر تغيرت آلياته، لكن مبارك نجح فى مزاوجة وثيقة بين آليات السوق وحقوق العمال وحقوق البسطاء، وصان أغلبية المصريين من ضياع حقوقهم فى طوفان الحرية الاقتصادية ورفض أن يدفعوا ثمن التحول الاقتصادى الذى كان محتوما، حتى بات الرئيس مبارك ضمانة وحيدة لهؤلاء البسطاء فى كل أزماتهم، بدءا من ألا يضُار عامل واحد من الخصخصة وصولا إلى أزمات رغيف العيش.
وقامت الثورة تدافع عن حق المصريين فى التعليم والعلاج المجانى والحصول على حقوقهم فى حياة كريمة، وبرغم توسع القطاع الخاص فى مصر فى هذه الخدمات، إلا أن الرئيس مبارك ضمن للمصرى البسيط أن يعِّلم أولاده ويعالج أسرته وأن يتلقى حقوقه فى الحياة الكريمة مصونة كاملة، دون أن تطالها يد. قامت الثورة تنادى بجيش جديد يحمى مقدرات البلاد ويستطيع الدفاع عنها فى أية لحظة، فلم يشهد الجيش المصرى تطويرا ولا تدريبا ولا تحديثا كالذى شهده ويشهده فى عصر الرئيس مبارك.
ودافع الرئيس مبارك عن عروبة مصر، تسلم الرئيس المسئولية وعلاقات مصر بالعالم العربى مقطوعة تماما، الرئيس مبارك أدرك من اللحظة الأولى أنه إذا كان العرب فى حاجة ماسة إلى مصر ولدور مصر، فإن هذا لا ينفى أن مصر لا يمكن أن تحتفظ بمكانتها ودورها بل لا يمكن أن تضمن أساسيات أمنها القومى سوى بدورها العربى الرائد، من هنا أعاد مبارك علاقات مصر بالعالم العربى فى سنوات معدودة، ثم عاد بمصر إلى موقعها الطبيعى قائدة أساسية للعرب، ووطنا أمًّا لهم، وصاحبة الدور العربى الحاسم فى السلم والحرب على السواء.
وقاد مبارك أكبر معركة للتنوير والتثقيف فى مواجهة الظلام والظلاميين، كانت ثورة يوليو قد خاضت معركة ضد الظلام منذ قيامها، ظلام الجهل الذى أخذت فى تبديده بالتعليم، وظلام الرجعية السياسية والفكرية والدينية الذى حاربته بالاستنارة وانتصر الرئيس مبارك لهذا الخط الأصيل فى ثورة يوليو، وأصر على المضى فيه إلى آخر الشوط، ولولا هذا الإصرار لكان للظلام اليوم نتائج جد خطيرة.
وضرب الرئيس مبارك المثل فى احترام التاريخ والرموز السياسية، قبل توليه المسئولية، كان نفر من الكتاب قد دخلوا فى ملاسنات حول الرئيس جمال عبد الناصر وأخذوا يخلطون الحابل بالنابل باسم إعادة قراءة التاريخ، لكن الرئيس مبارك الذى لم يمنع أحداً من الكتاب فى عصره أن يقول رأيه ويكتبه _ أياً كان هذا الرأى _ اهتم بأن يسجل كلمته للتاريخ كمسئول عن هذا الشعب، فرد للرئيس الراحل جمال عبد الناصر اعتباره، ونوه بذكره ولايزال فى خطاباته، وكرَّم ذكراه .. فتوازنت الأصوات، واسترد التاريخ المصرى بوصلته التى كاد يفقدها ( وهل كان من الممكن أن يظهر للنور فيلم مثل ناصر 56 الذى أنتجته الدولة سوى فى عصر مبارك؟) ، كما رد الاعتبار لأول رئيس جمهورية مصرى وهو الرئيس الرحل محمد نجيب، وأعاده إلى الأضواء وكرَّمه فى أواخر حياته بعد أن عاش مظلوما سنين طوالا.
زايد الكثيرون باسم يوليو، وزعموا أن لديهم توكيلات للحديث بالنيابة عن صنَّاعها الذين غادر أغلبهم دنيانا فى صمت نبيل، وتاجر بعضهم باسمها.. وطعن مغرضون من تيارات شتى فى ظهرها، لكن الرئيس مبارك ترفع عن هذه المهاترات، مبارك الذى يراهن على التاريخ هو الابن الأوفى لثورة يوليو، أحبها وآمن بمبادئها، وصان لها ثوابتها، عالم من المتغيرات العاصفة، بمهارة الربان الحاذق، وبصمود أصحاب المبدأ.
مبارك واحد من المصريين الذين آمنوا بذلك، وتمسكوا بعروته الوثقى، هو يؤمن بالشعب ويسمع نبضه ويتفاعل معه، بوصلة مبارك السياسية هى بوصلة كل المصريين، أليس بالضرورة والأمر كذلك أن يكون الرئيس مبارك فى صدارة الذين يتمسكون بيوليو وينتمون لمبادئها مهما تكن صعوبة الطريق، ومهما يكن من أفاعيل المتربصين والأعداء لهذه المبادئ فى الداخل والخارج؟ إن انتماء مبارك لثورة يوليو هو انتماء لإرادة المصريين جميعا، تلك الإرادة التى لا تغلب ولا يمكن تضليلها، ولو كره الكارهون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة