لم تخيب لجنة شئون الأحزاب الظن بها، وأكدت بالفعل أنها لجنة تطفيش الأحزاب برفضها تأسيس حزب الوسط بقيادة أبوالعلا ماضى.
داعب الأمل البعض منا، وتوقع أن توافق اللجنة على تأسيس «الوسط»، حتى ترد على المشككين فى نزاهتها السياسية منذ بدء تأسيسها مع عودة الحياة الحزبية فى السبعينيات من القرن الماضى، توقع البعض أن توافق لترد على المنتقدين لدورها السياسى الذى يؤدى إلى تكميم الحياة السياسية، وأن توافق على «الوسط»، لتثبت على الأقل أن الحزب الوطنى لا يخاف من ظهور أحزاب جديدة، وأن غالبيته البرلمانية هى غالبية حقيقية، وأنه حزب يستطيع مواجهة أى أحزاب أخرى بما فيهم «الوسط» لو كانت اللجنة كتبت شهادة ميلاده.
ذهب الطامحون إلى الأمل مذهبا كبيرا، لكن المتشائمين كسبوا الرهان، وأكدوا صحة وجهة نظرهم منذ البداية، والتى تتلخص فى أن اللجنة تعمل وفقا للمثل الشعبى: «الحداية ما بتحدفش كتاكيت»، فهى لجنة لم يسبق لها الموافقة على أحزاب يأمل البعض أن يكون لها شأن فى الحياة السياسية، وحين وافقت على حزب مثل الغد ثم شعرت أنه سيخرج عن الطوق، نصبت له المشانق وأجهضت تجربته قبل أن تولد، وقبل أن تقول الجماهير كلمة الفصل فيه، وأعطى تصرفها مع الغد نموذجاً واضحاً لقدرة اللجنة على التحكم فى الحياة الحزبية من المهد إلى اللحد، حتى لو قالت غير ذلك.
زعمت لجنة الأحزاب أنها لم تر أى ميزة فيما يقدمه برنامج «الوسط»، وبالتالى فهو لن يكون إضافة للحياة الحزبية، والمعروف أن هذه الحجة جاهزة لديها لرفض أى حزب يحمل أفكاراً جادة، تساهم فى إثراء الحياة الديمقراطية، والمأساة أنها تفعل ذلك فى الوقت الذى توافق وبسرعة منقطعة النظير على أحزاب ورقية لا يعرفها أحد، وتصبح مجرد كمالة عدد تستخدمها الحكومة للديكور الديمقراطى بقولها إن لدينا أحزاباً للمعارضة.
دفع تصلب لجنة الأحزاب رجال «الوسط» إلى النضال سياسياً وقضائياً 13 عاماً من أجل الحصول على الشرعية، 13 عاماً أصبح فيها الطفل صبياً، والصبى شاباً، والشاب شيخاً، والشيخ كهلا، 13 عاماً يتغير فيها العالم من حولنا، ذهبت حكومات وجاءت أخرى، وذهب رؤساء وجاء آخرون، وتوارت شخصيات سياسية إلى الظل وخرجت أخرى إلى النور، ورغم ذلك يبقى الوضع عندنا كما هو، لا شىء يتغير، وكأن المطلوب من أبوالعلا ماضى ومن معه أن يحملوا أحلامهم معهم إلى قبورهم، لأنهم موعودون بلجنة أحزاب تبعث إلى اليأس، وهو نفس المطلوب من آخرين يسعون إلى تكوين أحزاب مثل حزب الكرامة.
فعلت الأجهزة كل ما فى وسعها من أجل إجهاض تجربة «الوسط»، حيث قامت فى البداية بالضغط على العناصر القبطية الموجودة ضمن المؤسسين لسحب موافقتهم على المشاركة فى الحزب، وذلك حتى توصم الحزب بالطائفية، وفى التأسيس الأخير والذى تم رفضه، شملت قائمة المؤسسين الكثير من الأقباط وكان من بينهم عناصر فى الهيئة القيادية، وأمام ذلك لجأت اللجنة إلى أسهل مبرر يمكن أن تقوله، وهو أن برنامج الحزب لا يقدم جديداً.
حجة الرفض التى أعلنتها اللجنة بدا منها، وكأنها تنصب نفسها وكيلا للشعب، ومن خلال هذه الوكالة هى تعتبره فى الحقيقة شعباً غير ناضج فى اختياراته، وبالتالى لا تثق فى ترك حرية الأمر له، وقدرته على القول إذا كان الوسط حزباً جاداً ومتميزاً، أم هو مثل الأحزاب التى توافق عليها، ولا يشعر بها أحد.
آن الأوان لهذه اللجنة أن تغير جلدها والأفضل أن يتم إنهاء دورها، وهى لن تفعل ذلك بإرادتها وإنما بتكاتف شعبى واسع يضغط من أجل انتزاع حق حرية تكوين الأحزاب، شرط ألا تقوم على أسس دينية، أو طائفية، أو تتخذ من العنف وسيلة للتغيير.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة