انتهت الإجازة القضائية وإن لم يلق خبراء العدل حلا نهائيا لمشكلاتهم سينتقل إضرابهم المعلق من سلم مبنى الوزارة إلى دائرة التأثير المباشر علىّ وعليك وعلى كل مواطن يلجأ أو قد يلجأ يوماً للقضاء للحصول على حقه.
وضع البعض اعتصام خبراء العدل الذى استمر حوالى شهرين قبل قرارهم تعليقه، فى نفس إطار اعتصامات العمال والموظفين المتكررة مؤخراً؛ أى أنها تحركات تهدف لتحسين الأحوال المعيشية. سيثبت عملياً، وخلال فترة وجيزة خطأ هذه النظرة إذا استمر الحال على ما هو عليه، الخبراء يضعون على رأس مطالبهم، إلغاء القرار الذى يمنع إرسال ملفات الدعاوى إلى مكاتبهم وهو ما يرونه مخالفاً للقانون و يراه أى منطق معطلاً للعدالة، إذا علمنا أن أكثر من 90% من الأحكام، كما يرى المحامى د. محمد محسوب ويتفق معه كثيرون، تَصدر متطابقة مع رأى الخبير فى القضايا التى تحتوى جوانب فنية، فلنا أن نستنتج مدى أهمية مِهَنية الخبير وحياديته وظروف العمل التى تمكنه من تكوين رأى فاصل، قبل أن يُكوِّن الخبير رأيه عليه الاطلاع بدقة على تفاصيل ملف الدعوى، وإذا لم يُرسل إليه الملف سيكون مطالباً بالاطلاع عليه داخل المحكمة، بدايةً، سيكون على كل خبير الصراع طوال اليوم مع زحام المواصلات والمرور ليصل سالماً إلى مقر المحكمة الموقر (وعلينا أن ننتبه إلى أنه لا يقصد مقر محكمة واحد بل مقارعدة فى أماكن مختلفة) وبعد أن يصل منهكاً، يعمل على دراسة الملف داخل المحكمة وهو عمل من المفترض أن يتم فى مكان يمنحه درجة تركيز عالية، ونحن أعلم بحال مقار محاكمنا، هذا إذا تيسر له أن يجد مكتباً وكرسيا وسط الزحام الهائل ولم يطمع فى الوضع الطبيعى، أى غرفة مغلقة، أما إذا أراد الخبير أن يستدعى أطراف النزاع لجلسة مناقشة وهو أمر من الطبيعى أن يحدث، فربما سيكون عليه دعوة طرف دون الآخر أو دعوة الأطراف دون محاميهم أو دعوة المحامين ومنع أصحاب الشأن من الحضور لضيق المكان! وإن حضر الأطراف فى أى أجواء عمل ستتم جلسة المناقشة؟ فى هذه الأوضاع، لا يُلام أحد على عدم الدقة، و الدقة هنا متعلقة بالعدل وحقوق مواطنين. قد يرى البعض أن هذه الصورة مبالغة، ولكننا نعلم جميعاً أنها القاعدة وغيرها هو الاستثناء. إذاً مطالبة الخبراء باستلام ملف الدعوى والاطلاع عليه لا يتماشى فقط مع القانون بل هو ضرورى لتكوين رأى الخبير الفاصل فى النزاع، أما المطالب المادية فلا يمكن فصلها عن طبيعة العمل؛ فالمكافأة التى يحصل عليها خبير العدل بعد أن يودع تقريره فى الدعوى لا تتعدى المئات من الجنيهات، أما أتعاب الخبير المنتدب من الخارج فتتعدى الخمسة آلاف وتصل إلى عشرة آلاف وأكثر لنفس المهام و نفس نوعية الدعاوى التى يكون النزاع فيها فى أحيان كثيرة على ملايين الجنيهات، إذا كان مُنتظرا من خبير العدل أن يكون دائماً نزيهاً لحساسية عمله الشائك، فليكن نظام عمله مُساعداً له على الأقل، للحفاظ على طهارة يده حتى لايُترك إلى أى مُغريات أو صراع نفسى (وإن كان الأساس أنه لا مبرر لأى خرق للنزاهة فى أى حال) من هذه المنطلقات جاءت مساندة بعض كبار الإعلاميين لموقف الخبراء ودعم د. علاء عبد المنعم ود. جمال زهران وعشرات آخرين من نواب الشعب وتدخل رئيس مجلس الشعب د. فتحى سرور، وسيستمر هذا الدعم تحت قبة البرلمان إلا إذا سبقه الحل العادل.. التحرك السريع من مجلس الشعب ووزير العدل المستشار ممدوح مرعى لن يكون إنقاذاً لخبراء العدل فقط ولكنه فى المقام الأول، إنقاذ لنظام التقاضى فى مصر وحق كل مواطن فى أحكام قضائية عادلة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة