التفت الشاب نحو برج ضخم على كورنيش النيل، وسأل صديقه الذى يجاوره فى السيارة: « هو ده برج ساويرس؟، أجابه: «آه ده برج ساويرس.. على فكرة ده كسب قضية موبينيل من بتوع فرنسا اللى عايزين يشتروها ويخرجوه منها».
كان الراكب يشير إلى حكم القضاء الإدارى الذى رفض قرار بيع موبينيل إلى فرانس تليكوم الفرنسية، وكانت السيارة الأجرة تقلنا إلى بنها فى الثانية صباحا، ورغم إجهاد الركاب العائدين من عملهم فى هذا التوقيت المتأخر، فإن حوار الشاب وصديقه تسرب شيئاً فشيئاً من راكب إلى آخر حتى وجدت الراكبين أنفسهم فى ندوة حول القضية وصاحبها، وتفتحت شرايينى الصحفية لمتابعة المناقشات دون أن أفصح عن مهنتى.
قال راكب: «بقى هو يعنى يزرعها ويخضرها، وبعدين ياخدها غيره.. ده كلام»، رد آخر: «طيب ما هو هيقبض فلوس كتير»، شارك السائق فى الحوار: «يعنى واحد يغرينى بفلوس ياما علشان أبيع بيتى.. ملعون أبوالفلوس اللى تخلى الواحد يفرط فى ملكه.. مرة واحد عرض عليه ضعف تمن بيتنا عشان أوسع لبيته، قلت له، ولا كنوز الدنيا تساوى تعبى لحد ما بنيت بيتى اللى أنت عايز تشتريه».
كان الصف الثالث من الركاب مازال صامتاً يتابع المناقشات التى تفجرت، حتى قال راكب فيه، يبدو فى العقد السادس من عمره: «كل مصرى له الحق يزعل من اللى بيحصل، وبعدين نجيب ساويرس بيشغل عنده مصريين، وممكن الشركة الأجنبية تطردهم لو هى ملكت الشركة كلها، وبعدين يا جماعة كفاية بيع للأجانب، كفاية اللى نهبوه من خير البلد اللى إحنا مش عارفين راح على فين».
رد راكب عليه: «تسلم ويسلم كلامك، فعلاً المشكلة إن الأجانب خدوا كل حاجة، وعايزين يقفلوها علينا بالضبة والمفتاح، عايزين نخلى حاجة بقى باسم مصر»، رد السائق: «هو ده الكلام اللى بجد مفروض الدولة تشجع اللى عايزين يخلوا فلوسهم فى البلد بدل ما يخرجوها بره».
شمل الحوار الكثير من الآراء الأخرى التى تميزت بالتلقائية، ودون ثقافة قانونية واقتصادية، وأهم ما فيها أنها عابرة للحواجز الأيديولوجية التى تكره الرأسمالية ورجالها، وبدا أنهم يتحدثون عن رجل يماثل فى أذهانهم شخصية محمد أبوسويلم فى فيلم الأرض الذى فضل الموت على الحياة فى سبيل الحفاظ على أرضه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة