ما يحدث الآن، وما يتجه نحوه قطار هذا البلد من شد لأعصاب المصريين على الوتر الطائفى، لا غاية لدى النظام والحزب الوطنى من ورائه سوى حفنة من مقاعد البرلمان وتأمين ولاية رئاسية جديدة العام المقبل للرئيس مبارك أو نجله جمال، وربما يتفق كلانا أنه سينالها دون هذا الكد والعناء وربما أيضا دون تزوير.
المشهد اليوم لا يختلف كثيراً عما كان عليه قبل ثلاثين عاما وبضع سنين، فكما أفرج السادات عن الإسلامين، فتح إعلام النظام الباب للفضاء السلفى ليبث سمومه عبر الشاشات من إشعال للفتنة بين أبناء هذا الوطن.. على المدى القصير، لا حرج أمنى أو سياسى لدى النظام من انتشار هذا اللون من الإسلام، فالنهج السلفى معروف لرجل الشارع قبل رجل الأمن، قائم على أسس لا تمس هرم السلطة من قمته نزولاً إلى القاع، فالحاكم والمسئول ـ إذا كان فاسداً ـ لا يقتضى الأمر عزله وإنما الدعاء له بالهداية، ودستور السلفيين هو قول منسوب للإمام أحمد أبن حنبل، يزعمون أنه أردف فيه بأنه "لو كانت لى دعوة واحدة مستجابة فى هذه الدنيا لجعلتها للسلطان لأن فى صلاحه صلاح للأمة بأسرها" فهم لا يحملون نهجاً تنويرياً، ولا يملكون مشروع إصلاح اجتماعى وسياسى، كما هو الحال فى جماعة الإخوان المسلمين، التى قطعت شوطاً نحو المدنية على مدار العقود الماضية، لا يمكن لمنصف أن ينكره، وليسوا دعاة لا يخافون فى الحق لومة لائم أمثال الشيخ يوسف القرضاوى أو عمر خالد أو قامة قانونية وإسلامية بحجم المفكر د.محمد سليم العوا.
لا يمكن التسليم بأن هذا الكم اللافت من وقائع الأسلمة والتنصير، فى هذا الوقت تحديداً، وفى هذا الظرف السياسى على وجه الخصوص محض صدفة أو بأيدى خارجية، فحكومة الحزب الوطنى، وأجهزتها قطعا متورطة، ولا يعقل أن يتم التعامل أمنياً مع جميع المظاهرات الإسلامية التى طالبت باستعادة كاميليا شحاتة من الكنيسة، وما صاحب ذلك من ملصقات طبعت ووزعت ولصقت على جدران العديد من ضواحى القاهرة للتأكيد على إسلامها، أو تلك المظاهرات المسيحية التى طالبت بمحاكمة د.محمد سليم العوا بزعم تحريضه على قتل المسيحيين، بأروع مظاهر الديمقراطية من احترام حق المواطنين فى الاحتجاج سلمياً، فيما يتم سحل أنصار الدكتور محمد البرادعى أو شباب 6 أبريل وغيرهم من قوى المعارضة فى الشوارع.. ولا يعقل أن يخرج رجل بسيط فى مسجد النور بالعباسية فى حضور شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ورئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، ليخاطبهما قائلاً "اتقوا الله فى كاميليا" وأعيدوها من الكنيسة ويمر الأمر مرور الكرام.
الاحتقان الطائفى، ليس بالأمر الجديد على هذا البلد، وسبق لعقلاء الجانبين المسلم والمسيحى احتواءه، لكن ما يزيد من خطورة الأمر حالياً أن قامات كانت توصف فيما قبل بالوسطية والاعتدال يتم توريطها فى هذا الملف بوصفها من رموز التحريض، فالاحتجاجات المسلمة بدأت تطول رأس الكنيسة بصفته وشخصه، كما تم الاستناد إلى أقوال مبتثرة من حوار الدكتور محمد سليم العوا على قناة "الجزيرة" منتصف سبتمبر الجارى، لوصفه رمزاً تحريضياً على الفتنة، وزعم من زعموا بأن الرجل قال إن إسرائيل فى قلب القضية القبطية، رغم أن قوله كان فى إطار أن إسرائيل فى قلب كافة المشكلات المصرية، وقال ما نصه: إسرائيل فى قلب أزمة مياه النيل، وقطعا فى قلب القضية القبطية، ولا يمكن تأويل هذا الكلام على أن قيام إسرائيل فى قلب القضية القبطية؟!
بإمكانى تفهم مصلحة الحزب الوطنى والنظام وراء هذا التشتت الذى يصيب المصريين داخل هذا البلد، والدفع بالجميع إلى اختزال الهدف فى إثبات تنصر مسلمة أو إسلام مسيحية دون النظر إلى المصلحة العامة، لكن ما يشغلنى حقاً هو سؤال يبدو مبالغاً لكنه ملح.. هل بإمكان النظام السيطرة على الوضع إذا ما انفلت وتصاعدت حدة الاحتجاجات إلى ما هو أعلى من التظاهر؟ وهل بإمكان النظام الذى وقف جهازة الأمنى مكتوف الأيدى أمام عشرات من مشجى الناديين الأهلى والزمالك يرهبون المارة فى شارع البطل أحمد عبد العزيز، بحى المهندسين، على مدار ما يقرب من ساعة دون أن يتدارك الأمر، فى احتواء مرحلة ما بعد انتخابات مجلس الشعب، إذا ما بقيت فوضى الأسلمة والتنصر على ما هى عليه؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة