من دلائل عدم نزاهة أى انتخابات أن تكون نتائجها محسومة سلفاً، أو تكون محددة بأسماء كل أعضاء البرلمان، بما فى ذلك المعارضون، هذه هى الصورة فى أغلبية الدول النامية، أما فى النظم الديمقراطية فالصورة مختلفة، فهناك مراكز متخصصة فى استطلاع رأى الناخبين ويمكنها أن تحدد اتجاهات الرأى العام بل اتجاهات التصويت لدى الناخبين أيضاً، وهذا ليس الحال لدينا بالطبع فى مصر.
فبمراجعة واقع الانتخابات التشريعية المصرية نجد أن نتائجها شبه محسومة نتيجة سيطرة الحكومة على العملية الانتخابية، فضلاً عن غياب المعايير الدولية المتعارف عليها لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهى أن تجرى فى حيادية ونزاهة، وأن تتمتع كل إجراءاتها بشفافية، فالانتخابات القادمة تفتقد الضمانات والنزاهة والحرية، باستثناء الوعود من الرئيس ورئيس الحكومة، فعلى المستوى الدستورى ألغى الإشراف القضائى بالكامل الذى أثبت جدارة فائقة فى انتخابات 2005 فى الجولة الأولى على الأقل، بعد أن تم وقف تزييف المقاعد للحزب الوطنى فى الجولتين الثانية والثالثة اللتين كان أغلبهما للمستقلين الذين لم يرشحهم الحزب الوطنى، وحصل الحزب الوطنى على نسبة تقترب من 38 %، بينما حصد الإخوان 88 مقعدا.
وفى الحقيقة كان هناك شبه اتفاق بين الحزب الوطنى والإخوان، وهو ما كشفه د.عبدالحميد الغزالى أحد قيادات الإخوان عن وجود تفاهمات مع الحكومة المصرية فى ذلك الوقت.
ويبدو أن الحكومة قد أرادت أن ترسل رسالة تحذيرية لمن يطالبها بإصلاحات سياسية والتحول نحو الديمقراطية، ومضمون الرسالة هو أن الإخوان سوف يصلون إلى السلطة، فى حالة الإصرار على إصلاحات ديمقراطية كاملة، وفى هذا الوقت صلحت هذه الحجة لإقناع الآخرين فى المجتمع الدولى بأن هذا التوجه صحيح، الأمر الذى يتناقض مع حقائق الأمور والتقييم الحقيقى للقوى السياسية والمعارضة والإخوان الموجودة على أرض الواقع، وقد أشار إليها د. يوسف بطرس غالى فى مقاله المنشور فى جريدة الواشنطن بوست، ولكن هذه المرة لمنع الإخوان من الحصول على عدد كبير من المقاعد أو لتبرير التدخل فى الانتخابات، والسيناريو البديل الآن يقوم على أساس إعادة الاعتبار إلى الأحزاب الشرعية او القانونية التى أحيطت منذ نشأتها بالقيود من كل جانب لمنعها من التواصل مع الجماهير، أو بناء أرضية حقيقية، وشكل قانون الأحزاب السياسية قيدا قانونيا على الأحزاب، فضلا عن استمرار العمل بقانون الطوارئ منذ عام 1981 وحتى الآن بما يتيحه من سلطة وقدرة على قمع كل أشكال التحرك للقوى الشرعية والأحزاب المسجلة لتعزيز وجودها فى الشارع بين الجماهير، وعملية إعادة الحياة فى هذه الأحزاب تحتاج إلى تمثيل هذه الأحزاب فى المجلس القادم ولكى يكون لها أيضا القدرة على تقديم مرشحين لانتخابات الرئاسة.
لتمرير هذا السيناريو فإن الحزب الحاكم لن يختار نوابه فى البرلمان فحسب، ولكن أيضا سيختار نواب المعارضة، أى يمكن وصف الانتخابات بأنها عملية «تعيين» ولكن فى صورة «انتخابات». ولهذه العملية تداعيات خطيرة على مستقبل الاستقرار، فضلا عن أن هذه العملية بعيدة كل البعد عن التعبير عن إرادة الناخبين، فهو تكرار لما حدث فى انتخابات 2005، ولكن بطرق وأساليب مختلفة تفتقد أى معايير للنزاهة والشفافية، وبالتالى لن يكون برلمان 2010 هو برلمان المستقبل. > >
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة