عدت لتوى من رحلة سريعة إلى محافظة الأقصر، ذهبت إليها مع كوكبة متنوعة من رجالات الفكر والثقافة والآداب والأمن، مثّلهم فؤاد علام وأحمد المسلمانى وعمرو الشوبكى والمفكر القبطى سمير زكى وآخرون دعما لصديقنا العزيز ضياء رشوان الذى يخوض انتخابات مجلس الشعب عن دائرة أرمنت.
والحقيقة أن هذا التنوع فى الشخصيات التى قطعت مسافات لدعم الرجل وتأييده تكشف عن رمزية التنوع لديه، وقدرته على التواصل الآمن مع ألوان الطيف السياسى، وهو ما طالعته منذ اللحظة الأولى لوصولنا بعد رحلة متعبة إلى مدينة أرمنت، فقد احتشد الأهالى هناك فى الشوارع والطرقات واحتملوا فصولا سخيفة لمصر للطيران التى عادت لسيرتها القديمة فى تأخر مواعيد إقلاع رحلاتها، فتأخر وصولنا ثلاث ساعات كاملة، والقوم لم يبرحوا سرادق المؤتمر! عشرة آلاف مواطن يملأون السرادق الكبير الذى يلاصقه عن اليمين مقر الحزب الوطنى، وعن يساره مركز شرطة أرمنت، يهتفون باسم ضياء رشوان، سهرنا معهم ليلة جميلة الخميس الماضى، وأنا أسجل خواطرى قبل ساعات من بدء عملية الانتخابات، أستطيع أن أسجل بضمير مستريح أن التواصل بين رشوان وأهله وعزوته هناك أثمر عن هذه العلاقة القوية التى تؤكد أنه النائب دون انتخابات أو نتائج، وتلفت الانتباه لضرورة مراجعة الحسابات فى شأن اختيار رجال الأعمال، وظاهرة شراء الأصوات أو شراء الحصانة، هناك نواب حازوا مقاعدهم بشراء أصوات الناخبين، وانتهت علاقتهم بالجماهير بمجرد فوزهم ودخولهم البرلمان، وانتهت دورتهم دون أن يحققوا شيئا لتلك الجماهير التى اختارتهم.
ضياء رشوان يتواصل مع أهل دائرته لأنهم أهله وعشيرته، لم ينقطع عنهم فى القاهرة، أو هناك فى مجاهل الصعيد، يسعى لحل مشاكلهم وتوظيف أبنائهم قبل أن تولد فى عقله فكرة الترشح البرلمانى، لهذا كان الحب الكبير الذى لمسناه عيانا بيانا، وهو نموذج للنائب المحترم الذى يمثل المعارضة المصرية، فكونه معارضا لا يعنى بالضرورة كونه مناهضا، والفارق شاسع جدا بين المعارضة والمناهضة، والمعارضة كما يقدمها رشوان تعنى الفكر والثقافة والاعتدال والأصالة وتقديم المشورة الجادة الموضوعية والبديل المناسب لخدمة المجتمع، لم يكن رشوان يوما منفلتا أو متحرشا بمسؤول هنا أو هناك، لم نعرفه فاحشا أو متفحشا مزايدا أو سبابا، لذا احترمه الجميع من مختلف التيارات السياسية، وأيضا داخل دوائر الحكم والسلطة والأمن.
وفى طريقنا من المطار إلى أرمنت ذهابا وإيابا كانت المفاجأة الكبيرة، فقد رأيت مدينة غير تلك المدينة التى أعرفها، وكان آخر زياراتى لها منذ أربع سنوات تقريبا، تمتمت فى نفسى ما الذى فعله سمير فرج فى فترة قياسية بكل الحسابات؟ رأيت فى طريقى أشجارا وزروعا وورودا على امتداد طريق المطار، فيتولد انطباع لدى الزائر، متسربا إلى دخيلة نفسه، بالارتياح منذ الوهلة الأولى، غير أن عادة بعض المحافظين إسباغ الطرق الرئيسية بالاهتمام والمحاباة والتزيين، غير أن سمير فرج كان من طراز مختلف، فهو يهتم بكل دقائق المشهد وتفاصيله لا بجزء من الصورة، فلم يكن عجيبا أن نرى الصورة على هذا النحو البديع فى شوارع الأقصر وأرمنت، ولا يحدثك مثل خبير.
الحقيقة كنت أقرأ وأسمع طيلة السنوات الماضية منذ تولى هذا الرجل مسؤولية الحكم المحلى فى الأقصر، رئيسا للمجلس الأعلى ثم محافظا، معلومات متضاربة معه وضده، أتجول داخل الإنترنت، فأجد دعايات تهاجمة، وأخرى تُكرمه، غير أن الشهادات السمعية لكل الأصدقاء فى الأقصر كانت معه، تُشيد بجهوده، لكننى كنت أتسلح بالفتور إزاء كل ما سمعت وقرأت، حتى رأيت بعينى حجم الإنجازات على أرض الواقع، رأيت مناظر بديعة قبالة أكبر وأهم موقع أثرى فى العالم وهو معبد الكرنك، ميدانا فسيحا نظيفا مرصدا بالخام والجرانيت، مبذورا بالأشجار الجميلة، وتبدع فى إخراج هذا المنظر أو قل تلك الصورة البديعة أنوار محكمة بعناية، فيبدو المعبد من بعيد فى بطن الجبل ينقلك إلى تلك العصور القديمة ويستحضرها لزماننا.
وبينما تخطو سيارتنا عائدة من أرمنت بعد منتصف الليل نلتفت عن يسارنا فيبدو الجانب الغربى فى أبهى صورة، زادته تلك المصابيح الكاشفة بهاء إلى بهائه، المشكلة الحقيقية أننا لا نحسن معرفة ما لدينا من كنوز، معبد الكرنك على مدى عمرى كله كنت أراه محاطا بقاذورات وبيوت قديمة وأكشاك عشوائية يطلقون عليها زورا «بازارات»، فلا يراه المارة، وقد غيبته العشوائيات المحيطة به، هذا الكرنك الذى يفدُ إليه يوميا أكثر من عشرة آلاف سائح يشدون الرحال إليه، قال عنه الفرنسى جون فرانسوا شامبليون الذى فك رموز الهيروغليفية المصرية لأول مرة «رحيب كل الرحابة وعظيم كل العظمة»، فزعت عندما رأيت طريق الكباش! ليس هذا الذى أراه على مدى عمرى الذى انقضى، كان قصيرا عشوائيا متربا رغم أن قراءتنا كانت تقول إنه طريق طويل يستعرض فيه الفرعون جيشه كلما غادر أو حل من حرب أو معركة، كيف أخرجه سمير فرج وزينه وأطاح بكل العشوائيات التى غيبته؟ رغم حالة الإعياء التى أصابتنا عقب عودتنا من أرمنت، فإننا تجولنا بالمدينة نبحث عن طعام نأكله، فوجدنا الأقصر بالداخل لا تختلف عن شارع الكورنيش وشوارعها الرئيسية، طريق محطة السكة الجديدة أصبح شيئا آخر، لن تسعفنى المساحة المخصصة لمقالى أن أرصد فيه حجم التحولات التى حدثت فى الأقصر.
من اللطائف أننا كنا نتحدث، نحن رفقاء الرحلة، عن الإحباط يكاد يفتك بنا مما يجرى على أرض مصر، حتى رأينا حجم الإنجازات فى الأقصر بما حققه سمير فرج، وهو أحد أبناء القوات المسلحة الذين خدموا بكفاءة فى مختلف الأماكن التى شغلها قبل أن يُقذف به فى أتون الأقصر.
أظن أن سمير فرج أحدث انقلابا فى الإدارة المحلية التنفيذية، وأحرج زملاءه المحافظين حكام الأقاليم، بأنه يمكن تحقيق الإنجازات طالما توفرت الرغبة فى العمل، والتحرك عن المكاتب إلى آفاق رحبة فى الشوارع والميادين، وأن المحافظ قادر أيضا على توفير الدخل اللازم لتحقيق خطة التنمية، هذا لو توفرت الخطة أصلا.
حصلت الأقصر على جوائز عالمية باعتبارها من أفضل المدن نظافة على مستوى العالم.
لا أعرف الرجل غير أن إنجازاته هى التى تتكلم وتدفع كل المخلصين إلى التعبير عما رأوه، رغم أننى ترددت عن الكتابة عنه خشية أن يتربص به كل الذين يسوءهم نجاح هذا الرجل.
سأعود حتما لأكتب من جديد عما حدث فى الأقصر، فكل إنجاز مما حققه فرج سبقته معارك لإزالة العشوائيات، وإقناع الأهالى بالرحيل وتوفير أماكن بديلة مناسبة، ثم توفير الدعم المالى اللازم، وإقامة بنية تحتية كاملة جديدة تماما من شبكات الصرف الصحى والكهرباء والمياه، كانت دعايات ظالمة تتردد أن الرجل مدعوم من فوق، لكن تبين أنه ينتهج نظرية «5x2» أى يد نظيفة والسبابة والأوسط فى عين كل الحاقدين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة