بالرغم من أن يوم الأحد الماضى شهد انتخابات نيابية ورئاسية فى ثلاث دول، هى هاييتى وساحل العاج، بالإضافة إلى مصر، وبالرغم من الفقر المدقع والكوليرا التى تفتك بهذه الدول، إلا أن الانتخابات فيها جاءت أكثر شفافية وسلاماً وأمناً من مصر المحروسة، التى لم تكون محروسة فى يوم الانتخابات، فقد أباح الحزب الوطنى لنفسه ما يشاء وظهر على حقيقته يوم تكرم فيه مصر أو تهان.
لقد أهان الحزب الوطنى مصر وأثبت أمام العالم أنها دولة الحزب الواحد، وبدت شيوعية أكثر من الشيوعيين، فهل يعقل أن توجد دولة تتدعى أنها تعيش أزهى عصور الديمقراطية ولا يوجد لديها معارضة قوية ويسمح لها بأن تكون حاضرة فى البرلمان من خلال انتخابات نزيهة تتمتع بإشراف قضائى.
إن انتخابات هاييتى الرئاسية والنيابية جاءت أفضل من انتخابات مصر بشهادة المتابعين والمحللين السياسين المتخصصين فى شئون الانتخابات والأحزاب السياسية، بل ليس هناك وجه للمقارنة سواء فى أعمال العنف والقتل وإطلاق الأعيرة النارية وإغلاق الطرقات والتلاعب فى الكشوفات، حيث تنافس فى الانتخابات الهاييتية 18 مرشحاً، على رئاسة الدولة، أبرزهم ميرلاند مانيغات (70 عاماً) ويملك حظاً أوفر من حظ مرشح الحزب الحاكم غود سلستان (48 عاماً)، كما تضم قائمة المرشحين مغنياً مشهوراً يعرف باسم سويت ميكى.
بينما تنافس 912 مرشحاً من 66 حزباً سياسياً على 11 مقعدًا فى مجلس الشيوخ و99 مقعداً فى مجلس النواب، أما الأحزاب لدينا فمعظمها لم يجد كوادر لترشيحه، وإن وجد فأيقن أن النتيجة محسومة، بعد أن قضت سياسة الحزب الواحد على الكودار فى الأحزاب الأخرى وأفرغتها من مضمونها وجعلتها صورة رمزية تستخدمها وقتما تشاء، بينما زرعت فى الشعب ضرورة الحصول على بطاقة الحزب الوطنى انطلاقاً من المثل الشعبى "إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه"، فالناس تلجأ للحزب ليس حباً ولا قناعة، إنما للحماية من بطش الحكومة والظفر ببعض الهدايا.
أما الانتخابات الرئاسية فى ساحل العاج، فنتمنى أن يكون لدينا مثلها ونملك الديمقراطية التى تتمتع بها، فيكفى أن كل المرشحين الذين صعدوا لجولة الإعادة عملوا عدة مناظرات تليفزيونية رغم المشاكل التاريخية بينهم، إلا أنهم تخلوا عن المشاكل وتسلحوا بالديمقراطية من أجل أوطانهم وأخذوا يتبارون فى عرض برامجهم الانتخابية التى تدعم وحدة بلادهم وقوتها الاقتصادية.
بينما فى الانتخابات المصرية خرج علينا رئيس مجلس الشعب الأبدى يقول إنه ليس لديه برنامج انتخابى، لأن شخصه فى حد ذاته هو البرنامج، إذا كان رب البيت فى "مجلس الشعب الوطنى" يقول إنه ليس لديه برنامج ويتفاخر بذلك، فماذا ينتظر الشعب وماذا تتوقع المعارضة؟.
إن برنامج مجلس الشعب كان واضحاً يوم الأحد، ونجحت حكومة الحزب الوطنى فى تطبيقه بامتياز، حيث يقوم البرنامج على حصد الغالبية العظمى من مقاعد مجلس الشعب وإقصاء كل قوى المعارضة "الخشنة" من الإخوان المسلمين والمستقلين حتى لا يوجد بالمجلس الجديد سوى عناصر قليلة من العارضة المستأنسة الذين يمكن استخدامهم وقت الحاجة، ونجح البرنامج الانتخابى للحزب الوطنى مستخدماً فى ذلك كل أسلحته من تلاعب فى الكشوفات وإغلاق للجان وتقفيل وتغفيل وتخويف وترويع وإسالة دماء، ليؤكد للجميع أن تجربته التى تم تطبيقها فى انتخابات مجلس الشورى أثبتت فاعليتها ونجاعتها فى انتخابات مجلس الشعب، وصولاً إلى انتخابات الرئاسة، لتحقق الحكومة بذلك كل أهدافها وطموحاتها وتضمن لنوابها من الوزراء وغيرهم "قزقزة اللب" والنوم دون أن يصيبهم أحد بالإزعاج أو يعكر مزاجهم باستجواب وسؤال عن أحوال الفقراء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة