غادة عبود

عضة أسد ولا نظرة حسد

الإثنين، 27 ديسمبر 2010 06:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تتفرس المذيعة ذات الشعر صارخ الشقار فى ملامح ضيفتها النجمة الألمعية، وتهمس وكأنها بسؤالها تكشف عن السر المكنون المخزون، "يا ترى نجمة زيك بتؤمن بالحسد؟" فتتهدل ملامح النجمة الألمعية وتستشيط فى عينيها نظرة تنضح بغضب المغدورين، ثم تنظر للكاميرا، فتفتعل الهدوء والرزانة، كأن هذا السؤال المباغت أنساها لبرهة أنها نجمة، ولكنها عادت إلى رباطة جأشها فتجيب فى هدوء "أما يا سوسو عليكى أسئلة نار.. نار.. هى هييى.. لأ.. لأ.. .. ده ما حدش يعرف الموضوع ده خالص!!!! هى هى هيهى.. إحم.. والله الحسد ده مذكور فى القرآن وأكيد موجود.. بس والله يا سوسو!!! والله.. أنا بحب زميلاتى جدا.. واللى معايا عمره ما كان ليا.. أنا وهبت حياتى فدا الفن والحب والخير.. وعشان كدة يا....."
الحمدلله على نعمة الريموت كنترول اللى رحمنى من دقية التصنع بالنفاق المفروم ده!!!!!.

فالسؤال هنا ليس إذا كنا نؤمن بالحسد أم لا، ولكن إلى أى مدى يتحكم الحسد فى حياتنا؟ كيف يؤثر علينا؟ وعن حجم الضرر الذى أصابنا منه؟ وما نحن على استعداد أن نفعل حتى ندرأ هذا الشر عنا ؟ وإلى أى مدى يؤثر الخوف من الحسد على علاقتنا بمن حولنا؟.

أنا أؤمن بالحسد كابتلاء من الله، أصبر عليه وأدع الله أن يكشف عنى السوء، وذلك لإيمانى التام بأن ما أخطأنى لم يكن ليصيبنى، وما أصابنى لم يكن ليخطئنى، مثلى كمثل عامة من كان ولا زال حولى، فنوادر الحسد إلى وقت قريب لم تكن مذكورة فى محيط دوائرنا الاجتماعية، ولكن حلقة نوادر الحسد أصبحت تتسع رويداً رويداً.

فكلما تقدم بنا العمر، أصبحت حياتنا أقل منطقية وأكثر واقعية، وكلما واجهنا من أمور صعاب، تبرأنا أكثر من تحمل ما اقترفناه بأيدينا، وكلما فقدنا ما أو من نحب، نزداد هلعاً لمصابنا، فنتوه ونتعجب ونتساءل، ندور على كل من حولنا بحثاً عن إجابة تشفى صدورنا. تؤكد لنا أن ما حدث كان خارج عن إرادتنا، فنخلص فى أغلب الأحوال أن ما فقدنا، أو أضعنا، أو ما أصابنا كان جراء الحسد، فالحسد، ثم الحسد حتى أصبح الحسد هو التفسير الوحيد والإجابة المثلى لجميع أقدارنا.

وهذا ليس بتفسير خاطئ جزئياّ، بل إنه فى أغلب الأحيان تفسير صحيح كلياً، فالحسد أصبح وباء أكثر خطرا من أنفلونزا الخنازير والإيدز، فالخنازير أكثر سلما وبراءة، وإن حرم علينا لحمها، ولكنى لم أسمع قط عن خنزير يقضى جل وقته فى تمنى زوال النعمة من جاره لأنهم يقدمون له قمامة الزمالك، بينما يتعذب هو فى قمامة قلعة الكبش، أو ينق على زميله، أو تشبشب لبنت خالتها عشان اتجوزت الأول.

لم يكن وسواس الحسد والهوس به وارد فى أبجدياتى، فكأى إنسان سوى كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعين على قضاء حاجتى بالكتمان وأبشر خيرا حتى أجده، وكنت أنسج من سوء حظى قصص تضحك من حولى فأستعين بضحكات صديقاتى على التعامل بشكل إيجابى مع ما يؤرقنى إلى أن جاء يوم كنت قد قبلت للعمل فى إحدى الشركات الكبيرة ووقعت على عرض العمل، وأستعد للإنتظام فى الدوام مع بداية الأسبوع، فصدف أن حادثتنى إحدى صديقاتى المقربات جدا وكنت أعتبرها أخت صغرى فى بيت طالبات الجامعة الأمريكية، فاستقبلت تليفونها فى فرحة "هاى حبيبتى!!! وحشتينى!!! عاملة إيه؟ رقوكى مديرة؟ الحمد لله ربنا يباركلك، بتاخدى 15 ألف؟ ما شاء الله هايل!! هو انتى بتشتغلى إيه أصلا؟ آه هايل. أنا الحمد لله أخيرا لقيت شغل فى شركة كذا.. أيوة هى الشركة.. أيوة.. لأ قبلونى الحمدلله.. بس هابتدى شغل أول الأسبوع.. ألفين ريال الحمدلله..لأ ما خبيتش أنا كنت مستنية أمضى عشان أقول.. أوكى حبيبتي.. باى".

لن أنسى أبداً أننى أنهيت المكالمة فى تمام الساعة 10:50 صباحا، وفى تمام الساعة 11:00 صباحا، أى بعد مرور 10 دقائق، تسلمت الإيميل المشهود والذى أرسل لى من الموارد البشرية للشركة المذكورة، والذى ورد فيه أن الشركة قد عدلت عن توظيفى، وبالتالى فإن العرض الذى مضيته لاغ. كما أن الشركة تشكرنى على اهتمامى وتقدمى لهذه الوظيفة وتؤكد لى بأنهم ليسوا بحاجة لخدماتى فى الوقت الحاضر، ولن يكونوا بحاجة لخدماتى فى المستقبل القريب أو البعيد!!!!.

طبعا حاولت الاتصال والبحث عن إجابة وتفسير لما حدث، فقط قالولى إن الشركة عدلت عن تعيين كل الموظفين الجدد.. والعرض الذى مضيته ممكن بكل بساطة أبلّه واشرب ميّته!!!! لم يخطر الحسد ببالى حينها فقد تكتمت الخبر طوال فترة تقديمى، وبحت لصديقتى بعد أن كنت مضيت العرض.. لا.. لا .. ليس حسدا.. والحمدلله على كل شيء.

وتدور الأيام لأعود للقاهرة لتدعونى إحدى صديقاتى للغداء فى بيتها مع مجموعة من الصديقات، فالتقيت هناك بصديقتى التى بحت لها عن عملى سابقا وكنت قد نسيت تلك الحادثة أصلا، فجلست قبالها، تبادلنا الضحكات مع الجميع، إلى أن حلت الساعة الرابعة فاعتذرت للرحيل، فإذ بها تقول " إيه ده! موبايلك حلو قوى!!! أنا كنت هاجيب زيّه!!" أجبت، "بس موبايلك انتى أجدد وأغلى ما شاء الله" وانصرفت.

وفى تمام الساعة الـ4:05 مساء أصيب الجزء اليمين من جوالى بشلل نصفى وأظلمت شاشته، ليلقى حتفه فى تمام الساعة 4:10، أى بعد 10 دقائق من تعليق أم عين مدوّرةّ !!! وعندما هرعت به إلى الشركة قالو لى "لأ الجهاز اتحرق يا أستاذة. جيبى واحد تانى أرخص!!" فصرت أضرب كفاً بكف. و أستغفر الله من ظلمها بشيء فإن بعد الظن إثم.. بس انتوا واخدين بالكم إنها ظابطة نفسها على 10 دقائق بالثانية!! دى فتاكة!! بس برضه أنام مظلومة ولا ظالمة، بس غصبن عنى خفّفت منها جدا فى حياتى، أصل فى الآخر يعنى أنا عايزة أعيش!!.

وتمر كام سنة كمان.. وتنشا صداقة أخوية بينى وبين أحد الأشخاص، أستعين برأيه فيما أحاول أن أكتب ولما يحكيلى عن مغامراته العاطفية.. فأضحك وأحمد الله أننى لست حكاية من حكاياته.. وهو شخص أحترمه جدا وأعتز بصداقته جدا، لأنها خالية من أى غرض.. لندعوا هذا الشخص مجازا "محمد".. وفى أحد المرات أخذت صورة جماعية معه وأصدقاء آخرين.. وظهرت الصورة على الفيسبوك.. وبينما أحتسى الشاى تلقيت تليفونها هاي.. أنا كمان نفسى أشوفك بس أنا عايزة أعيش!! دى إسرائيل شخصياً ما تاخدش فى إيديكى غلوة!! محمد؟ ماله؟ اتعرفت عليه من حوالى سنة أو أكتر.. طب أنا راضية ذمتك وضميرك.. أنا لو بينى وبين واحد زيّه حاجة، هارد عليكى ليه يعنى؟ غاوية فقر مثلاً؟ بحس ناحيته إنه أخ وحد بثق فى رأيه.. لأ أنا بالنسبة له أخ برضه.. كدة رضا الحمد لله.. أكيد ها قولك.. أوكى باى".

وكانت الساعة 9 مساءً.. بس 9:10 بالثانية محمد دخل الكافيه بصّلى.. اتفزع.. طلع يجرى..الكلام ده كان من 6 شهور.

يا لهوي!!!! وأنا باكتب المقال دلوقتى، محمد دخل الكافيه.. شافنى اتفزع.. طب على الأرض!!! الله يخرب بيتك يا إنجي!!! وحياة أمى لوشفتك تانى أو سمعت صوتك، لألبسلك حزام ناسف، عشان يبقى عليّا وعلى أعدائى!! فعلاً عضة أسد ولا نظرة حسد.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة