كنت أنوى أن أكتب هذا المقال مشيّعا التسوية فى الشرق الأوسط إلى مثواها الأخير غير مأسوف عليها إلى أن يغير ما بيده التغيير أمر موتها وسبحان من يحى العظام وهى رميم، وكنت قد حددت شكل المقال الذى سوف أصب فيه مضمونه بالحديث عن مراوغات "نتانياهو" للرئيس الأمريكى "باراك أوباما" الذى أقعده عجزه عن تحقيق ولو قدر ضئيل بوعوده لـ"حل الدولتين" وكذلك عن رهان "السلطة الفلسطينية" على المفاوضات بصفتها "السبيل الوحيد" للوصول إلى "حل الدولتين" وقيام الدولة الفلسطينية، وذلك بعد استبعاد "خيار المقاومة" بشكل نهائى مع تضامن "دول الاعتدال العربى" مع "السلطة الفلسطينية"، حيث وضعت "دول الاعتدال العربى" نصب أعينها أن الخطر الحقيقى الذى يهددها ليس من "إسرائيل" بل إن الخطر الحقيقى يأتى من "إيران".
جهزت نفسى لكتابة المقال وقلت أشرب كوبا من الشاى المغلى مع بعض أنفاس الدخان من الشيشة وأقرأ المقالات الجديدة فى "اليوم السابع"، كان مقال الصديق "سعيد الشحات" عن "عبد الحليم خدام" نائب الرئيس السورى السابق المنشق الذى ملأ شاشات الفضائيات بأحاديثه واتهاماته للنظام السورى بقتل رئيس الوزراء اللبنانى الراحل "رفيق الحريرى" الذى تبين بعد ذلك للعالم كله بأنها محض أكاذيب وافتراءات من شخص كان مسئولا ووجد نفسه خارج النظام، كتب "سعيد الشحات" فى مقاله يقول: "من يتذكر الضجة التى أثيرت حين طلع نائب الرئيس السورى السابق عبد الحليم خدام على شاشات فضائيات عربية، للحديث عما قيل وقتها إنه سيكشف أسراراً خطيرة بشأن اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى، يتعجب من النهاية التى أصبح عليها الرجل، فأمريكا ترفض منحه تأشيرة دخول إلى أراضيها، وفشل فى الحصول على اللجوء السياسى إلى بلجيكا، ويقال إن فرنسا التى يقيم الآن على أرضها ضاقت به، بعد عودة العلاقات الفرنسية السورية إلى الدفء، وأن الحكومة الفرنسية أبلغته بضرورة الالتزام بمقتضيات الإقامة التى تفرض عليه عدم تعريض فرنسا إلى مشاكل سياسية وأمنية خلال إقامته".
عبد الحليم خدام يحمل على كاهله ثمانين عاماً هى كل عمره الذى قضى معظمه فى عضوية حزب البعث وسنه لم يتجاوز السادسة عشرة وهو فى الستة منذ غادر بلدته "بانياس" إلى دمشق، حيث تخرج فى كلية الحقوق فى جامعتها ومنذ سنة 64 تولى أولى مناصبه محافظا لمحافظة حماه وبعد حرب 1967 عين محافظاً لدمشق نفسها ثم وزيرا للاقتصاد والتجارة الخارجية، وأسند له الرئيس السورى الراحل "حافظ الأسد" ملف العلاقات السورية اللبنانية، ثم حول حافظ الأسد الملف بيد نجله بشار عام 98 الذى أصبح رئيسا لسوريا بعد ذلك لكن العلاقات بينه وبين الرئيس "بشار الأسد" تدهورت تماما فأعلن "خدام" انشقاقه على قناة "العربية" فى ديسمبر 2005 وبعد اتهامه النظام السورى بقتل رئيس وزراء لبنان الراحل "رفيق الحريرى" أصدرت المحكمة العسكرية الجنائية الأولى بدمشق برئاسة العميد القاضى "محمد قدور أسد" قرارها بالحكم غيابياً على خدام 13 حكماً بالسجن لمدد مختلفة أشدها الأشغال الشاقة المؤبدة مدى الحياة، وذلك بتهم مختلفة (أهمها الافتراء الجنائى على القيادة السورية والإدلاء بشهادة كاذبة أمام لجنة التحقيق الدولية بشأن مقتل رئيس الوزراء اللبنانى السابق رفيق الحريرى، وكتابات وخطب لم تجزها الحكومة السورية، والمؤامرة على اغتصاب سلطة سياسية ومدنية وصلاته غير المشروعة مع العدو الصهيونى والنيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي، وأشدها دس الدسائس لدى دولة أجنبية لدفعها العدوان على سوريا التى عوقب عليها بالمؤبد)، لكن من يعرف دمشق وأهلها فسوف يعرف مدى غضبهم من "خدام" ومن أكاذيبه ولو سألت واحدا من عامة الناس فى دمشق عن "خدام" فسوف يحكى لك كثيرا عن ثروته التى كتبها باسم أبنائه وحتى يؤكد لك صدق كلامه وأن ما يقوله لك عن هذه الثروة فسوف يصحبك لترى بنفسك أملاكه وأملاك أبنائه، وسوف تستمع إلى ما يقوله أصدقاؤك فى دمشق عن تقدير مصادر اقتصادية موثوق بها ثروة "عبد الحليم خدام" وزوجته وأولاده وزوجاتهم بنحو مليار ومائة مليون دولار معظمها خارج سوريا بالطبع.
وبالعودة لمقال "سعيد الشحات" سوف ننهى كلامنا فى هذا الأمر، فلن نجد ما نقوله أحسن مما قاله "سعيد الشحات": "لم يكن خدام صادقا فيما قاله، بل إنه ظهر كلعبة فى أيدى قوى دولية تستهدف تصفية حسابات مع النظام السورى، وقادته هذه الدول إلى الحديث كثيرا عن تجاوزات نظام كان هو القيادة الثانية فيه، لكن غاب عن خدام أن عداء الأمس فى السياسة ومصالح الدول يتحول إلى صداقات فى لحظات، والغالب فى هذا هو المصالح العليا التى لا تتوقف على أشخاص مهما كان حجمهم وقدرهم".
* كاتب وروائى مصرى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة