لا تعبر السطور التالية عن أى انتماءات للحزب الحاكم، وكذلك لا تعد حباً فى حكومتنا "النظيفة" بقدر ما هى اندهاش من قلة حيلة النظام، وسذاجته فى التعامل مع الخصوم، خلال السنوات القليلة الماضية، بداية من أيمن نور زعيم حزب الغد، وصولا للوافد الجديد من فينيا د.محمد البرادعى الذى أصاب كافة الأجهزة الحكومية والغرف المغلقة داخل لجنة سياسات الحزب الوطنى بالشلل.
مشهد يتكرر، لحكومة تصنع من خصومها نجوماً، تزيدهم بريقاً يوماً تلو الآخر.. فوزارة الداخلية كانت بوابة صعود أيمن نور لصدارة المشهد السياسى فى الفترة التى لحقت بالانتخابات الرئاسية، كما كانت الصحف القومية أكثر ما يجعل منه بطلاً شعبياً تتكالب عليه قوى الفساد قبل تلك الانتخابات، كذلك فإن فتور أداء الحكومة فى التعامل مع البرادعى يزيده بريقاً يوماً تلو الآخر، فلا اتهامات التخوين المعلبة، قادرة على الخصم من رصيده فى العمل الدولى.. ولا الحديث عن دور مشبوه فى حرب العراق يستطيع أن يقلل من أهمية دعوته لتغير الدستور.
خارج القطر المصرى، وبعيداً عن المشهد السياسى الملول، تجربه فلسطينية تستحق أن تدرس حول كيفية الخلاص من الخصوم، فحركة حماس التى هزت المجتمع الدولى ودول الجوار العربى وعلى رأسها مصر والأردن، بعد فوزها فى الانتخابات التشريعية عام 2005، حرمتها غريمتها فتح من التأييد الفلسطينى الذى كانت تتمتع به قبل الانتخابات بمجرد تركها لتشكيل حكومة "حمساوية" خالصة، لا وجود فيها لوزير من السلطة، لتصطدم حماس بواقع المشهد الفلسطينى، وموازنة تعانى عجزاً اقترب من مليارى دولار، ورواتب موظفين بلا سيولة لسدادها.
سياسة "التوريط" التى اتبعتها فتح، خصمت من رصيد حماس، وحرمتها من متعة السلطة، ولم تمكنها أيضاً من ممارسة المقاومة، ولا يوجد أى مختص فى الشأن الفلسطينى يستطيع اليوم الزعم بأن حماس مرشحة لتحقيق الإنجاز الانتخابى الذى صادفها عام 2005، فى أى انتخابات تشريعية مقبلة، ومهما كانت اتجاهات رجل الشارع الفلسطينى، فقوت يومه سيظل ضالته، ولا يمكن أن يختار استمرار الحصار فى أى عملية اقتراع عاجلة أم آجلة.
فلسفة توريط الخصوم الغائبة عن عقل النظام، ربما تظل حلاً سحرياً يمكنها من الخلاص من البرادعى، ولا يتطلب الأمر تنازل نظيف عن رئاسة الوزراء، أو شيئاً من هذا القبيل، ولكن وسائل دمج الموظف الدولى، صاحب الياقات البيضاء داخل لعبة النظام كثيرة، وربما أبسطها هى إشراكه بالفعل فى لجنة لتعديل الدستور، تحت نظر ترزية القانون.
وسائل الدمج متعددة، فمن الممكن حرق مصداقية البرادعى فى منصب وزارى، أو استشارى، يتفق مع مؤهلاته، وربما إسناد مهمة الإشراف على المشروع النووى المصرى كفيلة بدخول البرادعى فى دوامة البيروقراطية، والاصطدام بمصالح رجال الأعمال والمستثمرين ورعاة السياحة على أراضى الضبعة.
ختاماً، يظل البرادعى موظف دولى كفء، نخبوى استطاع حشد صفوة المعارضة، وقطاعاً لا بأس به من الشارع، حول حلم التغير، رغم عدم امتلاك ما يؤهله من أدوات لتحقيقه، لكن أزمات الملف النووى الإيرانى، ودهاليز أروقة مجلس الأمن والعقوبات الاقتصادية، والضغوط الدولية، جميعها أقل تعقيداً من تغير المادة 76، أو وضع تشريع لتوحيد بناء دور العبادة، ووقف التميز، أو حتى تحقيق الحلم النووى للمصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة