تاريخ المعارك بين المثقفين طويل يحمل معارك بعضها فكرية، مثل تلك التى خاضها طه حسين حول كتابه الشعر الجاهلى، أو حتى لأسباب شخصية أو نفسية كتلك المعركة التى دارت بين اثنين من كبار كتابينا حين راح أحدهما يعاير الآخر بأمه، قائلاً "يا ابن من لو أغلقت ساقيها لمت جوعا!".. مجرد مقدمة مقصدى بها أن معارك المثقفين منذ زمن أرسطو أو ما قبله تحمل دائماً أنواعاً مختلفة من الأسباب، وتصل إلى مدى كبير حتى فى زمن الأدب، وكما قرأتم كيف وصف الأديب الكبير أم الأديب الآخر، فبدلاً من أن يقول له "يا ابن العاهرة" قال له ما قال، وبأسلوب رشيق رغم فجاجة المعنى.
كانوا وسيظلون المثقفون دائماً يتناطحون ويختلفون، لكن أتى عليهم زمن جديد، وهو الذى نعيشه الآن، فلم يعد التبارز بالفكر ولا المعايرة حتى بالأم فى أقصى الأحوال، ولكن مثقفى مصر الآن صارت معاركهم والسبة الموجهة من طرف لآخر منهم بأنك "بتاع الحكومة" أو "بتاع المعارضة".. د.جابر عصفور أحد أساتذة الثقافة الحقيقيين فى مصر، رجل ذو قيمة ثقافية عربية ومصرية، أستاذ لأجيال، ود.علاء الأسوانى كاتب استطاع أن يصل بمبيعات كتبه إلى درجات لم تعهدها الحياة الثقافية المصرية الحديثة، التى هجرت الكتاب إلى الصحيفة على أكثر تقدير والإنترنت على أغلبه.. استطاع أن يعيد للرواية شعبيتها حتى لو اختلف النقاد على قيمة رواياته واستطاع أيضاً أن يعيد إلى الرواية المصرية وجودها على أرفف المكتبات الأوروبية والأمريكية، التى لا تعرف إلا نجيب محفوظ وآخرين على استحياء.
إذا نحن أمام قامتين من قامات الثقافة وساداتها، ولكننا أيضاً أمام نموذج للخلاف الثقافى فى هذا الزمان.. والقصة بدأت بمقال كتبه الأسوانى عن تكريم فرنسى حصل عليه وملاحظاته عليها، فرد عليه د.عصفور بمقال ناقد لفكرة الاستعلاء بالغرب والإيحاء بأن الأسوانى يوعز الصحافة الغربية أن رواياته تتعرض فى نشرها للمضايقات، وهو ما نفاه د.عصفور، فرد عليه الأسوانى بحوار يصفه فيه بأنه حامل أختام وزير الثقافة والمدافع عن النظام، ويرد د.عصفور بأن هذه لغة الردح الجديدة فى الحياة، إذاً معارك المثقفون الآن واتهامهم لبعضهم البعض أفسدته الدولة والسلطة، فكأن العلاقة بالحكومة صارت عهراً تماماً كالمعارضة، وكل منهم يعير الآخر بما هو عليه.. والحق أن لا فرق بين حكومة ومعارضة، فالفساد جذوره تضرب الجناحين لا فرق بيه بين مثقف وآخر.. فإن قال الأديب فى زمن مضى ما قاله فى وصف العهر، فإنى أود لو قلت لسادة الثقافة المعاصرين، الذين أحترمهم وأجلهم لثقافتهم "لا تتنابذوا بالألقاب.. ولتكن كلمتكم لا تعايرنى ولا أعايرك الهم طايلنى وطايلك".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة