◄◄ فى نفس أسبوع جريمة «كترمايا» حدثت جريمة أخرى فى القاهرة وهى منع إلتون جون من الغناء لأنه شاذ
ما أسهل أن تسير فى الركب، وتنافق العامة، وتمشى مع الجماعة، وتغنى بالنغمة التى تلقى قبولا ويحفظها الصغير والكبير.. وما أصعب أن تستفز العقول وتبحث عن أغنية ونغمة غير مألوفة ولكنها صحيحة وتتحدث بالعقل الذى منحنا الله إياه حين يغيب أمام ضغط الجماعة والمألوف والعيب واللاأخلاق.
مقدمة ليس فيها من الفلسفة شىء ولكنها ضرورية بل فى صلب موضوعين أثارا صخبا طوال الأسبوع الماضى، أولهما حدث فى قرية من قرى لبنان، بلد أشجار الصنوبر والأَرز، الذى يعتبره العرب كل العرب قِبْلة التحرر والجمال، بل فى أغلب الأحيان الانفلات الأخلاقى والفنى. فى هذا البلد الذى يعتبره المصريون والعرب بلد المقررات السهلة حدثت جريمتان وحشيتان، الأولى كما تقول مصادر الأخبار مقتل أسرة من أربعة أفراد على يد شاب، ثم تلتها الجريمة الثانية وهى انتزاع المتهم الذى لم تثبت الجريمة عليه بعد من يد رجال البوليس وقتله ضربا، ثم التمثيل بجثته، وربما يظن البعض أنى أغفلت ذكر جنسية الجناة فى الجريمتين ولكنى لم أشر إليهما لأن الأمر ليس له علاقة بهوية القتلة، فالأمر لا يخص لبنان ومصر بقدر ما يخص البشر، بغض النظر عن جنسيتهم السياسية.
إذن، فى لبنان الجماعة قتلت رجلا ومثلت بجثته وعلقتها على عامود الإنارة كما فى العصور البربرية، ولكن باسم الشرف والأخلاق والعرف والتقاليد. البوليس لم يستطع أن يوقف طوفان الجماعة، بل لعله وهو الذى يحفظ النظام رأى فيما أرادت الجماعة جزءا من إرادته، فرجال الشرطة يسيرون أيضا فى جماعات، وحين يكون الحديث عن الشرف تضعف إرادة الأفراد أمام ضغط الجماعة، ومن العجيب أنه مهما كانت هذه الجماعة تتكون من أفراد لا يمتون للشرف والأخلاق من بعيد أو قريب لكنهم حين يجتمعون فى قطيع ينسون كل خطاياهم ويتحولون إلى أنبياء يبشرون بالجنة ويلوحون بالنار، وتصير كل أثوابهم نقية وكأن الثلج قد غسلها، إذن الاحتكام إلى القطيع ليس دائما فى الغالب هو الصواب، ولكنه الأسهل، والأضمن فى الاختيارات وفى خداع الرأى العام.
وفى نفس الأسبوع، ولكن فى القاهرة عاصمة المعز وهوليوود الشرق، دارت حادثة أخرى، مع الفارق الكبير بينها وبين الجريمة اللبنانية وبشاعتها، ولكنهما يتشابهان فى الأسباب أو الدوافع باسم الأخلاق والأعراف وسيرا وراء القطيع ولعبا فى المضمون.. يصدر منير الوسيمى نقيب الموسيقيين قرارا بمنع سير إلتون جون المطرب العالمى الإنجليزى الأصل، من الغناء فى مصر.. قال إيه لأن الرجل شاذ يعلن عن شذوذه وقد هاجم فى تصريح له الحملة على الشواذ وقال إن المسيح كان بهم رحيما.. وأقوالا فى هذا السياق.
ومن المثير أن الكنيسة الكاثوليكية فى الفاتيكان معقل الدفاع عن المسيح والمسيحيين قد ردت وقتها بأن هذه تصريحات خرفاء لن تطلب حتى الاعتذار عنها.
سير إلتون جون أحد أقدر وأفضل مطربى العالم وأكثرهم موهبة، نقيب الموسيقيين المصرى يمنعه من الغناء فى هوليوود الشرق لأنه مثلىّ، عجبا أليس هناك كثير من النفاق الاجتماعى والسير مع القطيع واللعب على المضمون فيما فعله نقيب الموسيقيين؟! هذا النقيب ذاته هو من منح بيانسيه وآكون وشاكيرا وغيرهم من مطربى الخلاعة كما يراهم البعض.. أليس هو الرجل الذى يمنح التصاريح لعشرات من مطربات السراير؟ والأهم وفصل الخطاب: كم من مطربات أو مطربين شواذ أو منحرفين أعطاهم الرجل ألحانه أو عزف خلفهم، وأنا أعرف منهم أسماء ولكنى لست فى مضمار معايرة أو رصد فضائح.
نقيب الموسيقيين المصرى لا يرتدى ثوبا غسله الثلج والبرد ولكنه فى خضم خوضه لمعركته الانتخابية آثر أن يكون من القطيع أو أن يكون على رأس القطيع وغازل الأخلاق وتدثر بها وهو ليس بكاهن.
الشذوذ الجنسى آفة ابُتليت بها البشرية منذ قوم لوط، وحذرنا منها الله سبحانه وتعالى، هذا فى كتب الدين وكلام الأخلاق، ومعيار حين نفتش فى نسب أو زواج، ولكنه بالتأكيد ليس ضمن مسوغات الغناء أو الرقص أو غيره من الفنون، وإلا فسيضطر الوسيمى وغيره من نقباء المهن الفنية وحتى غير الفنية إلى شطب كثير من الأسماء من بين أعضائها.
خلط الأوراق واللعب على مشاعر الأخلاق والمحافظة وضمان أصوات القطيع فى انتخابات جعل نقيب الموسيقى يفعل ما فعل، ويتساوى فى ذلك مع سادة طالبان الذين كسروا تماثيل أفغانستان بحجة أن الإسلام منع الاحتفاظ بالتماثيل تشبيها لها بالأوثان، وكما فعل القطيع فى لبنان بقتل القاتل قبل محاكمته والتمثيل بجثته لأن الدين يقول من قتل يُقتل. ثلاث جرائم تتفاوت درجاتها ولكنها جميعا تتدثر بالأخلاق أو الدين أو التقاليد والأعراف وبصيحة قطيع لو قلنا عنه «أغنام» لقطعوا ألسنتنا.
ولكن عفوا لن أسير فى الركب ولن أمشى مع القطيع ولن أغنى نغمة تلقى قبولا ويحفظها الصغير والكبير وليكن الطريق الصعب ضد بارونات القطيع والعازفين على المضمون وأحلى من الشرف مافيش.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة