السلطة والشهرة عادة ما يقترنان بالفساد. معيار إنسانى وقاعدة يندر أن تجد فيها استثناء، فالنفس البشرية التى خلقها الله سبحانه نفس ضعيفة أمام غواية السلطة والشهرة والمال، ويحتاج جهاد النفس فيها إلى جهاد القديسين والأنبياء، وذات الغواية هى فى نهاية الأمر قاتلة أصحابها، ولكن من ذا الذى يستطيع أن يصدها، فتلك هى الأيام التى يداولها الله بين البشر ليفرق بين معادنهم، وتلك هى حكاية فيلم «تلك الأيام» المأخوذة عن رواية فتحى غانم، الأديب الذى استطاع أن يمنح الدراما التليفزيونية سابقاً واحدة من أجمل وأصدق المسلسلات عن عالم الصحافة والفن والسياسة وهو مسلسل «زنيب والعرش»، ورغم ذلك لم يستطع سينمائى أو تليفزيونى أن يتذكره ليقدم عملاً مأخوذاً عن رواياته، ربما لأن الروايات الأدبية وتحويلها إلى سيناريو سينمائى أو تليفزيونى يحتاج إلى مجهود أكثر كثيراً من صياغة سيناريوهات مبنية على فكرة نجم أو نجمة تريد أدوار تفصيل.
الأدب ليس فيه تفصيل لأنه يشبه الحياة التى لم يرتبها البشر على اختلاف أهوائهم، والسينما والدراما التليفزيونية لدينا قلما تشبه الحياة.
وكما سبق أن ذكرت، لم يتذكر فتحى غانم مؤخراً إلا ابنه المخرج الشاب الذى قرر أن يكون أول أعماله مأخوذاً عن أعمال أبيه، فهى إرثه الشخصى وهو أولى بها. والأهم أنه وجد منتجاً يوافقه الرأى وهو د. محمد العدل، ليقدما فيلم «تلك الأيام» فى أوقات صعبة، حيث عَزّْ المال وإنفاقه فى السينما، بسبب تأثيرات اقتصادية وأشياء أخرى لسنا فى مجال رصدها الآن.
المهم أن فيلم «تلك الأيام» خرج على الشاشات فماذا فعلوا به؟ قدم الفيلم لنا قصة رجل الفكر والسياسية أستاذ الجامعة «محمود حميدة».. نموذج أجزم أنتى رأيته وأعرف قصص العشرات ممن يشبهونه فى حياتنا السياسية والصحفية والفكرية، رجل له ألف وجه، مفكر ولكنه فاسد، وفساده يعود إلى تاريخ سابق، هذا الرجل متزوج من إحدى تلميذاته التى يكاد يكون قد دمرها، ويلتقى مع ضابط سابق فى مكافحة الإرهاب «أحمد الفيشاوى» ليساعده بمعلومات فى بحث يعده عن فترة الإرهاب القصوى فى مصر.
وتتشابك الأحداث والعلاقات لتصل بنا إلى خاتمة الفيلم، حين تقع فضيحة على الهواء لهذا الرجل المهم الذى كان يستعد لتقلد منصب وزارى، ويرفع الحزب الحاكم عنه غطاءه وحمايته وكذلك السفارة الأمريكية ويصير كما مهملا ليعود كما جاء من بلدة صغيرة لتنتهى حياته بالانتحار.
قد لا يكون المخرج الصغير أحمد غانم قدم كل شىء يستطيعه، ولكنه بالتأكيد قدم كارت تعارف محترما متدثراً بفكر أبيه الأديب العظيم. استطاعت الصورة والإضاءة لأحمد عبدالعزيز أن تضيف عمقاً وجمالاً وتفرداً، كما ساهمت موسيقى عبده داغر، الذى يشارك لأول مرة فى وضع موسيقى تصويرية لفيلم، أن تمنح لحظات الصمت روحاً.
ولكن بطء الإيقاع فى بداية الفيلم ربما تحرمه من مشاهد اعتاد أن يبدأ المشاهدة وهو فاهم كل شىء، مشاهد، ربما أفسدت جزءا فيه السينما السهلة التعاطى، ولكن يظل رغم هذا نفس المشاهد، أن يستمتع إذا صبر قليلاً، ولكن ليس كل مشاهد لديه الصبر لذلك، وعلى السينما المصرية المختلفة أن تجد حلا وسطا لكسب هؤلاء المشاهدين.
عناصر التمثيل فى هذا الفيلم جميعها ملائمة لأدوارها، فمحمود حميدة ممثل محير من دور لآخر، حتى وإن اقترن بعض من أدائه بشخصيته ولكنه يظل كممثل لاعبا فى منطقة لا يباريه فيها أحد.
أحمد الفيشاوى يشبه كثيراً فى اختياراته وتفرده فى منطقة محمود حميدة على الأقل سينمائياً.
صفية العمرى وإن لم أستطع استساغتها كأم لمحمود حميدة، لكن يظل وجودها حتى بدور صغير إضافة للفيلم.
أما الوجه الجديد ليلى سامى، فهى الوحيدة بين كل طاقم التمثيل التى تحتاج لفرصة أخرى حتى نستطيع أن نعرف إلى حد ما جزءا من مستقبلها.
«تلك الأيام» قد يكون فيلما غير تقليدى، ولكنه بالتأكيد يصلح لمشاهد تقليدى، لديه بعض من رحابة الصدر والصبر على المشاهدة، والأهم على رؤية جزء من الواقع ربما يقرأ عنه أو يسمع به، ولكنه لا يعرف منه إلا وجهاً واحداً، وفى تلك الأيام سيرى كل الوجوه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة