من باب أمانة الكلمة أن نصدر للقراء المعلومة الصحيحة حتى لو كانت ضد قناعتنا السياسية، والتى قد تجذبنا إلى أن نحب رئيسا ولا نحب آخر، فمن السهل أن يقوم الكاتب بتسريب معلومة ما بقصد أو دون قصد أو تفلت من بين أصابعه دون أن يشعر، ورغم خطأ هذه المعلومة قد يبنى عليها الذين لا يعرفون الحقيقة تصورات خاطئة تظلم أبرياء دون وجه الحق.
شئ من هذا حدث فيما كتبه الأستاذ سليمان جودة أمس فى مقاله اليومى "خط أحمر" والذى تنشره الزميلة "المصرى اليوم"، وحمل عنوان: "مشكلة أبناء الرؤساء"، وقال فيه نصا: "ليس سرا أن أبناء الرؤساء الثلاثة عبد الناصر والسادات ومبارك، قد تلقوا تعليمهم فى مدارس وجامعات خاصة، وليس سرا أن الذى لم يذهب منهم إلى جامعة القاهرة مثلا، قد وجد ضالته فى الجامعة الأمريكية، وأنه قد حصل هناك على التعليم الذى يجب أن يحصل عليه كل مواطن مصرى"، وأضاف جودة أنه ليس سرا للمرة الثالثة أن الرؤساء الثلاثة حين فعلوا ذلك فإنهم كانوا قد حلوا مشكلتهم بالنسبة لتعليم أبنائهم، ولكن المشكلة لم تكن أبدا خاصة على مستوى كل رئيس فيهم، بقدر ما كانت مشكلة عامة وسوف تظل طبعا إلى أن نجد لها حلا.
وإذا كان جودة ومن خلال عموده اليومى يتناول دائما قضية التعليم فى مصر بزوايا مختلفة، إلا أنها تصب دائما فى مجرى واحد هو أن التعليم العام كله خطايا ليس الآن وإنما منذ أن عرفته مصر بعد ثورة يوليو 1952، وفى الوقت الذى يتفق ويختلف البعض على ما يطرحه، فإنه يمتلك قدرة فائقة، لتمرير ما يقوله حتى لو احتوى على معلومات ليست حقيقة، أو مبتورة من سياقات مختلفة أو ناقصة، كما جاء فى المقال الذى اقتطفت منه العبارات السابقة، والشاهد على ذلك قوله أن أبناء الرؤساء الثلاثة تلقوا تعليمهم فى مدارس وجامعات خاصة.
والحقيقة أن أبناء عبد الناصر مثلا، وعلى ما أذكر أيضا أبناء السادات لم يتلقوا تعليمهم فى مدارس خاصة، وإنما فى مدارس حكومية أيام كانت المدارس الحكومية لها هيبة تعليمية، يصر الأستاذ سليمان على إنكارها دائما، وليته يراجع الحديث الذى أجراه الإعلاميان المميزان محمود سعد ومنى الشاذلى مع عالم نوبل الفذ الدكتور أحمد زويل، والذى قال فيه إن التعليم الذى تلقاه فى مصر من الابتدائية حتى الجامعة كان تعليما متقدما ومميزا، ودلل على ذلك بذكر أمثلة كثيرة استخلص منها كلمة بليغة هى: "لم أذهب إلى أمريكا من فراغ وإنما كنت حصلت على تعليما رائعا فى مصر"، وقال، إن التعليم الحكومى كان أفضل فى وقته من التعليم الخاص بمراحل.
وأعود إلى ما ذكره الأستاذ سليمان حول تعليم أبناء الرؤساء، لأشير إلى أنه من المعروف مثلا أن خالد جمال عبد الناصر هو خريج هندسة القاهرة، وشقيقته هدى خريجة اقتصاد وعلوم سياسية، وشقيقه عبد الحميد خريج الكلية البحرية، وشقيقه عبد الحكيم خريج الهندسة من الجامعات المصرية، أما شقيقته منى فلها قصة معروفة وهى أن مجموعها لم يحقق لها الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فألحقها والدها بالجامعة الأمريكية بالمصاريف الخاصة.
وقياسا على ما قاله الدكتور زويل أقول إن إلحاق عبد الناصر والسادات لأبنائهما فى المدارس والجامعات العامة، كان متسقا مع لغة عصرهم الذى كان فيه التعليم العام يتمتع بنظرة إيجابية من المجتمع، أما ما حدث بعد ذلك فهذا أمر آخر.
وأخيرا قد تبدو هذه القضية ركنا من الماضى، الذى قد يرى البعض أننا نستغرق أنفسنا فيه، فى وقت يختنق فيه الجميع من كل شىء، إلا أن المعلومة الصحيحة الآتية من الماضى، تؤدى حتما إلى رؤية موضوعية فى الحاضر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة