محمد فودة

محمد فودة يكتب.. عصر البطولات الجماعية بالسينما.. إلى غير رجعة

الأحد، 20 يونيو 2010 06:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رحل عصر البطولات الجماعية إلى غير رجعة، ليس هناك من يجمع كبار النجوم مع الجيل الوسط والشباب فى عمل فنى واحد، مثلما كان يحدث فى الأربعينيات والخمسينات وحتى السبعينيات من القرن الماضى، نجحت أفلامهم وحتى مسلسلاتهم ومسرحيتهم، لأنهم اعتمدوا على فريق يعمل بروح فرد والفرد يعمل بالتالى بروح الجماعة، لم تعرف هذه السنوات أمراض اليوم والتى تفشت بصور مختلفة تجعلنا نتساءل: كيف تغير المناخ الفنى بهذه الصورة المزعجة؟ ولماذا ارتضى نجومنا ومخرجينا ومنتجينا بما وصلنا إليه من تدنى، وكل ذلك لا يصب فى خانة الحصاد الفردى وإنما من شأنه الإضرار بكل الفنون المصرية وصورتنا أمام العالم، اليوم أصبح النجوم يتربصون لزملائهم وكأنهم أعداء، وما كانت هذه الروح موجودة فى الماضى، كان التعاون المستمر وإنكار الذات هو الأساس كان الحب هو الرسالة التى تشمل كل ما يقدم، وكان مصدر عطاء ودفعة للتجديد وتقديم كل ما هو أفضل كان مفهوم الفن بعيد عن التجارة وقضية الربح والخسارة.

كان المنتج فناناً بالدرجة بالدرجة الأولى، وما كان أبداً تاجراً أو كما يردد البعض فارساً فى بورصة النجوم، يلعب بأسعارهم فى سجلات أصبحت أغلبها محروقة أو تالفة أو متدنية، فبرغم الملايين التى تتبادلها صفحات الفن عن أسعار النجوم وبعضها بالدولار وما يعقبها من أرقام الإيرادات وبعضها يرتفع جداً فوق كل التوقعات إلا أن الناتج فى دنيا الفنون هو التراجع الكبير والحصار باستمرار متواضع جداً وهزيل وإلا أين أفلامنا من مهرجانات العالم؟! هل يعقل أن تصل السينما المصرية إلى مهرجان كان فى الستينيات من القرن الماضى، واليوم لا نجد سوى السخرية من أفلامنا والعالم كله يتطور ويتسابق ويتناقس ونحن فى الطريق الأخر، نتقدم إلى الخلف، ليست لدينا مشروعات قومية فى هذا المجال مثلما كان يخطط لها الكبار بدءاً من الاقتصادى الكبير طلعت حرب الذى أسس أكثر من استوديو للسينما وأوصى بالاهتمام بالفيلم المصرى واعتبره أحد مصادر الدخل القومى مثلما كانت الصناعات الثقيلة، بل يزداد عن أى مصدر آخر إنه النموذج المثالى للثقافة الفنية الشاملة حيث تضم السينما عناصر الأدب والموسيقى والديكور والفنون التشكيلية هكذا كانت السينما فى الماضى، أما اليوم فلا نرى فيها سوى التكرار والملل والأفكار التى كثيراً ما تؤدى إلى إفساد الشباب، ولا نرى من ورائها سوى انتشار الجريمة والفوضى المجتمعية، أغلب النجوم ينحدرون وراء ذل بلا دعى ولا هم لهم سوى جمع الأموال، فإذا اختفت الأرقام من صفحات الفن فى الجرائد تجدها فى الصفحات الأولى سواء أخبار تهرب أحد النجوم أو إحدى النجمات من الضرائب أو المصالحة مع مصلحة الضرائب.

ولسنا فى حالة تصفية حسابات أو تشفى، ولكنها قضية الفن المصرى ومستقبلها فإلى أين سنمضى إنها قضية قومية كما قلت، فماذا يمكننا أن نقول بعد أن وصل الفيلم الإسرائيلى إلى العالمية وأصبح يفوز بجوائز فى المهرجانات الكبرى مثل الأوسكار وكان وبرلين، بل إن دهاءهم تغلب على كل شىء ونجحوا فى إخفاء عنصر يتهم، وأصبحت هناك أفلام تنطلق من الأدب الرفيع والخيال العلمى وما هو أكثر من هذا، كثير من الأفلام دخل فى منطقة الحياد، وما عادت خصوماتهم ضد العرب والمسلمين هى محور أفلامهم، فأين نحن من هذه المفارقة التى تدعو للسخرية، أين نحن من سينما الأعداء؟! وكذلك نجد أفلام دول بدأت نشاطها بعدنا بكثير وصلت إلى المهرجانات العالمية وعادت بالجوائز الخالدة مثل بولندا والمجرد وبلاد شرقية كثيرة، أما تراجع الفيلم المصرى فسببه الأساسى هو تعالى النجوم بحيث أصبح من الصعب تجميعهم فى فيلم واحد ونظرة إلى الموسم السينمائى الحالى نجد أنه يسقط بأغلب النجوم أحمد السقا وأحمد حلمى ومحمد سعد وياسمين عبد العزيز، أحمد السقا انفرد بالبطولة حتى حينما شاركه النجم الكبير محمود عبد العزيز فى فيلم "إبراهيم الأبيض" فى العام الماضى فوجئنا به يختلق مشكلة ضده ولا يقبل البطولة الجماعية، وأحمد حلمى تحذلق ودخل فى أزمة التفلسف حتى أصبحت أفلامه كأنها نسخة واحدة، تخرج من فيلمه وتحس أنك شاهدته من قبل، ليس هناك جديد ومحمد سعد نفس الأزمة، فقد وقع أسيرا لشخصية اللمبى ولا أعرف متى يخرج من حصارها فقد استنفذت الشخصية كل أغراضها وياسمين عبد العزيز جميل أن تكون بطلة وهذا حقها ولكن لو شاركها آخرون ستكون النتيجة أفضل، لأن هؤلاء النجوم يمتلكون شعبية وقبولا جماهيريا ولو راجعوا أنفسهم وتاريخهم سيكون التغيير لصالحهم بدون شك، فمنذ سنوات ونحن مفتقدون هذه البطولات الجماعية الناجحة باستثناء فيلمين "ليلة البيبى دول" و"عمارة يعقوبيان" أما فيما عدا ذلك فنحن نعانى من أزمات النجم الفرد لنجد أن نفس الأفكار تتكرر فى أفلامهم ونفس النمط ونفس المحاور والإفيهات مما يجعلك تندهش مما يحدث، كأنها أفلام مستنسخة من بعضها البعض، أين المنتج الكبير الذى يجمع هؤلاء؟ فى الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضى عرفنا منتجين فى حجم رمسيس نجيب هو صانع النجوم، كان يعرف كيف يختار أفلامه ونصوصه ومخرجيه ونجومه، وكان النجاح حليفة دائماً وحليف السينما المصرية، واليوم نجد كثيرين من المنتجين لا علاقة لهم بهذه المهنة بعد أن أصبحت مهنة الإنتاج السينمائى، فالمهم هو الكسب السريع، وبعضهم لجأ إلى الإنتاج باعتباره غسيل أموال مضمون ومأمون الجوانب والعواقب، والمحاولات مستمرة فى تدبير هذه الصناعة التى كانت من أهم الصناعات ووصلت إلى طريق مسدود ودخلت إلى النفق المظلم، ثم تصاعدت الصيحات فى السنوات الأخيرة لنجد كل التوصيات تصل بنا إلى متاهات لأن الجذور هى التى شاخت والثمار لابد أنها ذابلة وربما ليست هناك ثمار على الإطلاق، ما يحدث فى السينما المصرية مخيف بدليل هروب الشباب والكبار إلى الأفلام الأجنبية التى اكتسحت دور العرض وصارت هى الخلاص الآمنى، أما منتجونا فقد وجدوا الحل فى الهروب إلى الدراما التليفزيونية واستغلال الفضائيات فى الترويج لأعمالهم وهى رحلة هروب جماعى من السينما إلى المسلسلات فى واقعة تثير الدهشة، فقد تركوا السينما إلى أفلام المقاولات أو أفلام الهواة وما تسمى بالسينما المستقلة لأن الأزمة أن هذه المسلسلات خطفت النجوم، فوجدوا ضالتهم نحو الثراء العجيب المثير للجدل، ثم المنتجين الذين لم يدخروا لأنفسهم سوى المراهنة على كل ما يجلب الأموال، فتركوا السينما فى المفترق تنهشها الذئاب وأنصاف المواهب وذهبوا إلى هذه التخمة التى أبداً لا تنضب والكنز الذى لا يخسر أبداً، وتناسوا دورهم الأساسى فى نهضة السينما، وجروا وراء الوهم، وهذه هى النتيجة.

أما المخرجين فقد توالوا واحداً تلو الآخر إلى المسلسلات محمد عبد العزيز ومحمد أبو سيف وسمير سيف وخيرى بشارة وعلى رجب وعلى إدريس وغيرهم والبقية تأتى.. ولأن دور الدولة غاب عن صناعة السينما، بحيث لم يعد لها اليد الطولى مثلما كان فى الماضى. فإن المنتج الخاص هو المتحكم فى كل شىء، فقد اندثرت قواعد مهمة وغابت قوانين وبقى شىء واحد هو الفلوس والانفراد بالبطولة الفردية والبطولات الجماعية أصبحت مثار سخرية، لأنه بمجرد وصول النجم إلى مصاف النجومية فإنه يدير ظهره للجميع ويتناساهم لأنه لا مصلحة منهم فانفرط عقد النجوم فى مصر ولم يعد سوى الفتات ونثار، فمن كان رائداً وأصبح فى خبر كان، السينما المصرية لا تستقيم إلا بالبطولات الجماعية أما البطولة الفردية العقيمة فهى السقوط الحقيقى، وأرجو أن يكون فشل الموسم السينمائى الحالى هو جرس إنذار ومؤشر للحالة التى وصلنا إليها من غياب وغيبوبة، لقد كنا فى حالة إبداعية بارعة، رفعت رؤوسنا إلى أعلى السماوات واليوم نحن نرى حال السينما وندفن رؤوسنا فى الرمال!!.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة