التوقف عند امتحان سهل وآخر صعب فى الثانوية العامة هو اختصار مخل لمجمل العملية التعليمية.
فى كل عام يصرخ الطلاب من صعوبة امتحان مادة، ويبتهجون لسهولة مادة أخرى، وبين الحالتين يغيب سؤال: ما المعيار الذى يجب أن يكون الامتحان عليه؟ وهل أصحبت الثانوية العامة مبعثاً إضافياً للتعاسة؟
بكاء الطلاب والأمهات وشكوى الآباء أمور ليست جديدة فى كل امتحان لها، لكن الجديد هذا العام هو دخول مجلس الشعب طرفا فى الموضوع، ودخول الفضائيات طرفاً آخر عبر تغطيتها الواسعة لأحوال الطلاب بعد كل امتحان، وعليه تحول الحديث عما يجب أن يكون عليه مستوى الامتحانات إلى قضية رأى عام، وقدم الآباء والأمهات فتاوى عما يجب أن يكون عليه هذا المستوى.
دخلت الأسرة المصرية المعنية بهم الثانوية طرفا فى العملية التعليمية، لكن تدخلها لم يأت من باب المطالبة بتحسين التعليم ورفع جودته، وإنما من باب المطالبة بأن يكون الامتحان سهلا حتى يستطيع الطلاب حصد الدرجات النهائية، وورث الكل هذه الآفة العقيمة منذ أن تم تعديل نظام الثانوية العامة، وأصبحت عامين بدلاً من عام واحد، وأخطر ما فعله هذا النظام هو هيمنة الدروس الخصوصية وابتلاعها كل مقدرات الأسر البسيطة، وبعد أعوام من اتباع هذا النظام تأتى الحكومة لتبشرنا بنظام جديد، لا يعرف أحد كيف سيسير بأبنائنا.
وقعنا فى حمى الغضب من صعوبة الامتحانات، ولم نحتشد يوماً من أجل وضع الحلول الجذرية للقضاء على مساوئ العملية التعليمة منذ بدايتها وحتى نهايتها، وهى المساوئ التى تعطى لكل وزير الحق فى أن يتحدث عن ضرورة أن يحتوى الامتحان على أسئلة تظهر كفاءة الطلاب فى التفكير والابتكار، وننسى أن كل وزير يقول هذا الكلام دون أن ينجح فى وضع النظام التعليمى الذى يحقق لكل طالب هذه الميزة.
تسابق بعض نواب البرلمان فى الحديث عن كيفية توزيع درجات الأسئلة الصعبة التى جاءت فى بعض المواد، ولم يحتشد هؤلاء النواب من أجل إسقاط كل الذين تسببوا فى تراجع التعليم. ستخيم السعادة على كل بيت طالما تأكد أن الامتحانات سهلة، لكن باب التعاسة سيبقى مفتوحا طالما تسير سياستنا بالقطعة، وطالما أن هذه السياسة لا توفر لأى خريج فرصة عمل عادلة تحقق له عيشة كريمة. يومها فقط سيكتشف الذين بكوا من صعوبة الامتحانات، والذين فرحوا من سهولتها، أنهم أسرفوا فى الحزن والفرح دون داع.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة