د. أحمد حسن السمان

البرادعى.. وفوضى لحظة التغيير التاريخية

السبت، 17 يوليو 2010 06:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى حواره مع مجلة دير شبيجل، تحدث الدكتور محمد البرادعى عن لحظة التغير التاريخية التى تمر بها مصر، وأتفق معه فى تاريخية اللحظة الحالية وأختلف معه من ناحية أن هذا التغيير مرتبط بالفوضى سواء فى رسم خريطته أومستقبله .

أما الفوضى فهى نظرية علمية تساعد فى التنبؤ بتطورات أى نظام (سياسى اقتصادى فيزيائى.. إلخ)، وبالتالى فدعونا نحاول أن نتخلى قليلا عن حديث الخواطر، ولنتحدث باسم العلم الذى خاصمناه طويلا، فتقهقر حالنا بين الشعوب والأمم.

فى البداية عندما نتحدث عن "لحظة" فى عمر الأمم، فإننا لا نعنى أياما أو شهورا، إنما نتكلم عن سنوات وربما عقود، وهناك ضرورة لقراءة الأوضاع بطريقة مختلفة عما تعودنا عليه فى الماضى للتأكد من وجود هذه الفرصة الذهبية لتغيير مستقبل مصر ووجهها سواء تم هذا التغيير من داخل النظام السياسى الحاكم أو خارجه، وهو ما يوفره فكر التعقد ونظرية الفوضى بافتراضاتها المختلفة.

أحد افتراضات نظرية الفوضى يسمى "الحساسية للشروط الأولية" يقول هذا الفرض إن التغيير الأولى البسيط ينتج سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية التى يفوق حجمها بمراحل حدث البداية، وبشكل قد لا يتوقعه أحد، وفى أماكن أبعد ما يكون عن التوقع، ولعل إدراك هذا الشرط هو ما يفسر رفض البرادعى الدخول فى العملية السياسية الحالية فى مصر سواء فيما يتعلق بطريقة إنشاء حزب جديد أو الترشح لانتخابات الرئاسة، لأن الشروط الأولية التى يتم بها منح الترخيص للحزب أو الترشح ستؤثر فى العمل السياسى للحزب بعد ذلك وفى نتيجة الانتخابات.

ونستخلص من نظرية الفوضى أن العناصر الأقل تأثيرا والتى لا تحظى باهتمام يذكر والمهمشين هى ما يتسبب فى تغيير النظام، على المدى الطويل، عبر فعل تراكمى غير محسوس فى البداية.

وفى مصر نجد أن الشباب من أكثر الفئات التى تم تهميشها على مدى العقود الثلاثة الماضية سواء عبر مستوى التعليم المتدنى أو غياب فرص عمل حقيقية، وتطول سلسلة الظلم التى تعرض لها الشباب حتى أن تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية فى مصر لعام ٢٠١٠ قال إن أكثر من ثلث الشباب المصريين لا يحلمون بالتغيير لاعتقادهم بأن المستقبل مظلم، ويحجمون عن المشاركة فى أى نشاط سياسى، بسبب القيود المفروضة عليه، وكانت النتيجة أن ترك الشباب الواقع الحقيقى وانتقل إلى الواقع الافتراضى على شبكة الإنترنت، التى وفرت الحدث الأولى البسيط، وأصبحت مكانا للتجمع وطرح الأفكار والتنظيم، فغياب القدرة على الحلم زاد من سعى الشباب إلى التغيير، وهى الرغبة التى باتت تجمع كتلة كبيرة منتشرة فى الواقع الافتراضى، وتظهر الآن إرهاصات تحولها من جزر متناثرة عبر المدونات و«الفيس بوك» إلى كتلة حرجة يمكن أن تساهم فى التغيير.

وهناك فرض يتحدث عن شمولية النظام أى أن القوة أو الضعف تنطبق على كل المنظومة بشكل عام وهو ما يمكن أن نجد صداه فى حوار البرادعى مع المجلة الألمانية حين قال إن "السياسة الداخلية والخارجية أصبحتا غير منفصلتين عن بعضهما البعض، إن أية دولة تسعى لتصبح قوة دولية، يجب عليها أن تطور من أحوال المجتمع داخلها أولا".

وتقول نظرية الفوضى فى إطار أحد افتراضاتها وهو (التشعب Bifurcations) إن أى نظام يوجد ويظل متماسكا بسبب ترابط أجزائه الداخلية، ومن هنا فإن أى تغيير فى منطقة منه يحدث تغييرا فى مناطق أخرى من النظام بشكل لا يمكن التنبوء به، وهو ما يؤدى إلى تضخيم عدد من الظروف التى كانت خاملة فى وقت ما ليقود ذلك إلى تغيير النظام أو إعادة ثباته مرة أخرى، ولتفسير ذلك فى شكل عملى بسيط نجد أنه من المعروف طبقا لقانون الطوارئ وغيره، أنه يمكن أن يتعرض أى مواطن للاعتقال بدون محاسبة من يقوم باعتقاله، لكن حادث مصرع خالد سعيد أوجد نتيجة صغيرة قد يكون لها تداعيات كبيرة فى المستقبل، ألا وهى تضمين قرار إحالة مخبرى سيدى جابر إلى محكمة الجنايات بتهمة "القبض على مواطن بغير حق"، وهو ما قد تكون له تداعيات كبيرة فيما يتعلق بضوابط القبض واعتقال واحتجاز المواطنين.

قال البرادعى للمجلة الألمانية: "ليس من المفروض أن أكون رئيسا لأدعم التغيير فى مصر"، وهو محق فى هذا، فالتغيير لا يحدث من الرأس، حيث تفسد السمكة من رأسها، ولكن التغيير الذى يسعى إليه البرادعى يشمل النظام السياسى ككل، فى المقابل فإننا نتحدث عن منظومة سياسية قوية وراسخة فى مصر تمتلك أدوات للاستقرار والاستمرار، وهو ما يثير تساؤلات حول الأدوات المتاحة لهذه المنظومة سواء لمقاومة التغيير الذى يدعو إليه البرادعى، أو تثبيت الوضع القائم، أو إحداث التغيير الذى ترغب فيه مؤسسات الحكم، هنا لابد من اللجوء إلى نظرية أخرى وهى التعقد complexity التى تقدم تفسيرا يمكن الاستفادة منه فى هذا الشأن .








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة