وزراء يبيعون ويشترون من الحكومة ونواب يقبضون من وزارات يراقبونها

الجمعة، 02 يوليو 2010 02:08 ص
وزراء يبيعون ويشترون من الحكومة ونواب يقبضون من وزارات يراقبونها نظيف
أكرم القصاص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄المغربى يبيع ويشترى من الحكومة.. والمصالح الحزبية والبرلمانية تتداخل مع السلطة التنفيذية

كشفت قضية أحمد المغربى، وزير الإسكان والتعمير، مع أرض جزيرة آمون أن السلطات والمصالح فى مصر تتداخل وتختلط اختلاط الماء بالماء، وإذا كان «الحلال بيّن والحرام بيّن» فإن الحرام خلال السنوات الأخيرة فى مصر يطفو على سطح السياسة، ويصعب التمييز بين الصالح العام والخاص، السياسة أغلبها على الخط الفاصل، وهو غير واضح ولا حتى بشكل افتراضى مثل خطوط الطول والعرض حول خط الاستواء.

نرى الوزير يبيع ويشترى من الحكومة، والنائب يعمل عند الوزير، الذى يفترض أنه يراقبه، والقيادة الحزبية قيادة تشريعية، وله مصالح اقتصادية تتعلق بالتشريع.

الدستور والقانون يمنعان الوزير من ممارسة عمله الخاص، أو تداخل هذا العمل مع الحكومة أو مؤسسات الدولة، لكن رأينا وزيرا يرى أن منح أراض من وزارة يرأسها لأسرته وأقاربه أمر لا يتناقض مع الشفافية والنزاهة.

لقد أعادت قضية أحمد المغربى وجزيرة آمون موضوع تداخل السلطات للنقاش، لكن القضية موجودة ومعلنة، حتى لو كان الرئيس قد تدخل فى آمون، فان هناك مئات الأبواب والتشابكات، وليست المرة الأولى التى تظهر فيها قضية تداخل المصالح واختلاط المصلحة العامة بالخاصة، ويأتى اسم المنصور والمغربى، فى فبراير 2006 ضمن عملية شراء أسهم البنك المصرى الأمريكى لصالح شركة كريدى أجريكول وشركة المنصور والمغربى، واتضح أن البنك المصرى الأمريكى يملك أسهما فى بنك الأسكندرية، وهو بنك عام، يومها جرى الحديث عن استغلال النفوذ والتداخل بين مصالح وزيرين، وبقيت قضية رجال الأعمال الوزراء بلا حل، وفى أيدى كل منهم قرارات تنفيذية، ولكل منهم شركة أو أكثر يفترض أنها تتعامل مع الحكومة، ومع أن القانون أو الدستور واضح فى ألا يدير الوزير عملا خاصا بعد توليه مهام منصبه، لكن ما يحدث أن الوزراء أو كبار المسئولين يتنازلون عن شركاتهم فى الشكل ويحتفظون بها فى الواقع.

وطبيعى أن تظهر حالات تضارب بين مصلحة صاحب الشركة والحكومة أو الجهات الرسمية، وعندها لن يكون الاختيار بين المصلحة العامة والخاصة سهلا. وفى قضية جزيرة آمون فإن التضارب فى المصالح وارد، والخلاف متوقع، وفى حالة الخلاف يمكن أن يقف أحمد المغربى صاحب الشركة، فى مواجهة المغربى رجل الأعمال.

فى قضية جزيرة آمون التى تم بيع أرضها ومساحتها 238 فدانا، لشركة بالم هيلز المملوكة للمغربى ومحمد منصور وزير النقل السابق بـ80 مليون جنيه، سعر المتر 80 جنيها فقط. وتدخل الرئيس وجعلها حق انتفاع، وزير الإسكان أحمد المغربى رد بأنه مساهم وليس مالكا، وهو نفس الرد الذى أعلنوه مع قضية بنك الإسكندرية.

تداخل المصالح هو الاسم المؤدب للمحسوبية، وفى حين يفترض أن يكون دور الدولة أن تحكم التناقضات بشكل يعلى من مصالح الجميع وهو ما يسمى العقد الاجتماعى، ومن أجل أن يسود التوازن والفصل بين السلطات، السلطة التشريعية التى يفترض أن تكون منتخبة من الشعب وتضع القوانين، والخطط التى تنفذها السلطة التنفيذية، تحت رقابة السلطة التشريعية، أما السلطة القضائية فإنها تفصل فى خلافات الأفراد مع بعضهم أو مع السلطتين، لكن مساحة التداخل وعدم الفصل التام بين السلطات يخلق الثغرات التى يدخل منها المفسدون وأصحاب المصالح حيث تتداخل تأثيرات السلطة التنفيذية بالقضائية والتشريعية، وتسقط الحواجز.

اللافت للنظر أن بعض الوزراء الذين يمارسون الخلط يفعلون ذلك دون أى استشعار للحرج، ولعل الرد الذى أعلنه وزير الإسكان أحمد المغربى حول كونه مساهما فى شركة بالم هيلز التى اشترت جزيرة آمون من شركة مصر إسوان التابعة له، يشير إلى أنه لايرى مشكلة فى كون شركته تشترى من الحكومة، وربما يرجع ذلك إلى أن الوزراء، وهم رجال أعمال اعتادوا أن يمارسوا أعمالهم بعيدا عن السياسة، وبالتالى فليست لديهم اتجاهات أو توجهات سياسية.

ولهذا فإن المغربى لم ينتبه إلى الضجة التى صاحبت شراء بنك كريدى ولم يغير من قناعاته، ويمتنع عن شراء مالا عاما حتى لو كان تابعا لوزارته بما فى ذلك من احتمالات للتداخل.

والحقيقة أن تداخل المصالح لايتوقف عند المغربى وعز، بل أنه يبدو حالة متواصلة فى البرلمان والحكومة، ولدينا مثال وزير الإسكان السابق المهندس محمد إبراهيم سليمان عندما اتهمه نواب فى مجلس الشعب بأنه منح شاليهات وأراض وشقق لزوجته وأبنائه وأقاربه، رد بأنه فعل ذلك طبقا للقانون، وذكر فى تحقيقات النيابة معه أن أحدا لم يستطع إدانة الوزير فى كونه أسند الجانب الأكبر من أعمال التعمير والمقاولات لمكتب صهره ضياء المنيرى، فالقانون يسمح بمثل هذه التصرفات، والأكثر أن القيم السياسية نفسها تجعل الأمر طبيعيا كما أن القيم الحاكمة للسياسة تسمح بهذا وربما فى عصور سابقة كان من الصعب تقبل هذه التصرفات التى تحرمها قواعد العمل السياسى والدستورى، لكنها أصبحت عادية وقابلة للتطبيق فى مجالات مختلفة، ولهذا فإن مجلس الشعب عندما أثيرت قضية تداخل المصالح وتضاربها فى قضية تعيين المهندس محمد إبراهيم سليمان رئيسا لشركة الخدمات البترولية مع عضويته فى مجلس الشعب وحكمت المحكمة الإدارية ببطلان تعيين سليمان فى رئاسة الشركة طالما كان عضوا فى مجلس الشعب، بدا وكان مجلس الشعب والحكومة وبدا أن رئيس مجلس الشعب الدكتور أحمد فتحى سرور وقيادات المجلس كلهم لم يشكوا لحظة فى أن تعيين سليمان باطل ومع وجود مادة فى الدستور تحظر تعيين عضو البرلمان فى وظيفة حكومية عامة فإنهم لم يعلنوا ذلك وصدر القرار الجمهورى بتعيين سليمان حتى اكتشفوا البطلان، بما يؤكد أنهم يتعاملون على أن الخلط بين السلطات وتداخل المصالح أمر لايشغلهم. وهو ما اتضح عندما تقدم نواب فى البرلمان بطلبات إحاطة عن أن أكثر من عشرين نائبا يجمعون بين عضوية مجلس الشعب أو الوظائف العامة ورفض البرلمان ووجد تبريرات للنواب المسؤولين.

فتوى مجلس الدولة ببطلان تعيين إبراهيم سليمان رئيساً لشركة الخدمات البترولية ألقت الضوء على عدد كبير من النواب يشغلون وظائف حكومية أو فى جهات تابعة لها وهو ما يخالف المادة 357 من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب والتى تحظر على النائب الجمع بين عضوية المجلس وممارسة مهام الوظيفة العامة فى الحكومة أو القطاع العام إلى جانب نص المادة 179 من قانون الشركات المساهمة والتوصية بالأسهم والشركات التى صدرت بالقانون رقم 159 لسنة 1981.

وحظر الدستور التعاملات بين الحكومة وعضو البرلمان بالتعاقد أو البيع أو الاستئجار والهدف ان البرلمان يراقب الحكومة فكيف يمكن لرقيب أن يبيع ويشترى ويعمل عند من يراقبه. لكن هذه القاعدة الواضحة تم اختراقها من الحكومة والبرلمان، وبعد فتوى مجلس الدولة ببطلان عضوية محمد إبراهيم سليمان فى مجلس الشعب مع رئاسته لشركة الخدمات البترولية، أعلن سليمان نفسه »لست الوحيد من أعضاء مجلس الشعب الذى تقلد منصباً حكومياً«، وبالفعل وتم الكشف عن عدد كبير من نواب الشعب والشورى تولوا وظائف حكومية أو تابعة للدولة وهو أمر يؤثر على استقلالية قرارهم ودورهم البرلمانى. واتضح أن نوابا تم تعيينهم فى وزارات البترول أو الكهرباء أو كمستشارين لوزارات المالية والاستثمار أو فى بنوك عامة، وهو أمر يمنعهم من مراقبة هذه الجهات أو محاسبتها وهم يقبضون منها رواتبهم. بل ربما كان تعيينهم بهدف إغلاق أى باب للرقابة، وهو ما يتجاوز تداخل السلطة والمصالح إلى الفساد. وقد تقدم النائب سعد عبود والنائب محمد العمدة وغيره ممن اعتبروا تعيين النائب فى وظيفة حكومية رشوة تؤثر على الدور الرقابى للنائب.

وضمت القائمة النائب يحيى وهدان المعين مدير عام بالشركة المصرية للغازات الطبيعية «جاسكو» بقرار من وزير البترول، وًشقيقه النائب رضا وهدان وقدم النائب علاء عبدالمنعم قائمة بنواب مثل علاء عواجة، وفوزى شاهين وعدد كبير من نواب الوطنى يعملون مستشارين بوزارات البترول والنقل والاتصالات ويحصلون على رواتب ضخمة.ومنهم النائب أحمد سعد أبو عقرب من الحزب الوطنى والنائب محمد أحمد فرغلى ويعمل فى منصب ضابط أمن بشركة النيل للبترول مقابل مبلغ نحو 5 آلاف جنيه.

والنائب عبدالستار محمد إسماعيل فى الكهرباء رئيساً لشركة مصر الوسطى، والنائب مجدى عرفة مدير عام فى شركة بترول والدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق وعضو مجلس الشورى الحالى والذى تم تعيينه رئيساً للمصرف العربى لكن الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والتشريعية قال إن موقف الدكتور عاطف عبيد قانونى وسليم ولا يخالف النصوص التشريعية، حيث إن المصرف العربى الدولى يخضع لأحكام اتفاقية دولية، وهو تبرير يمكن ان تكون له وجاهته لكنه يتناقض مع المبدأ البرلمانى الذى يجعل النائب رقيبا ومستقلا. وكما قال النائب جمال زهران فقد أغفل التبرير حكمة المشرع من تاثير تعيين النواب فى وظائف حكومية على أدائهم التشريعى والرقابى.

ونفس الأمر مع المستشار محمد الدكرورى نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق والفقيه القانونى والذى يتولى مهمة المستشار القانونى للعديد من الجهات التنفيذية على رأسها رئاسة الجمهورية وعدد من الوزارات مثل المالية والاستثمار ويعمل مستشاراً لوزارات المالية وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية، كما يشغل الدكتور محمود أبوزيد وزير الرى السابق وعضو مجلس الشعب عن دائرة نهطاى بالغربية مجلس إدارة شركة بتروجيت.ومعروف مثلا أن نائب الوفد السابق منير فخرى عبدالنور كان عضواً فى برلمان 2000 استقال من عضوية مجلس إدارة الشركة القابضة لمياه الشرب لأنه اعتبره مخالفا للائحة المجلس.أيضا النائب حيدر بغدادى عضو مجلس الشعب وطنى فى برلمان 2000 طالب باستقالة عبدالنور وهو الآن يرأس مجلس إدارة الشركة المتحدة للتجارة »إحدى شركات قطاع الأعمال العام«. وهو ما أثاره النائبان رجب هلال حميدة وجمال زهران واعتبرها مخالفا للائحة المجلس لكن وزير الاستثمار محمود محيى الدين قال إن بغدادى كان عضوا بمجلس إدارة الشركقبل عضويته فى البرلمان لكنه لم يذكر أن رئاسته للشركة جاءت بعد أن ترك الحزب الناصرى وانضم للوطنى.

كل الطرق تؤدى إلى تداخل المصالح فى البرلمان والحكومة، وإذا كان الرئيس تدخل فى صفقة أمون، فهل يحتاج الأمر إلى تدخل رئاسى لإنهاء التزاوج بين المال والسلطة، وبين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية أم أن النظام نفسه أصبح قابلا لهذا الاختلاط ويسمح به.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة