بدأت فى مقالين سابقين سرد وقائع حوار مع السياسى الكبير محمد فايق، رجل جمال عبد الناصر فى أفريقيا، واستكمل ..
سألت محمد فايق عما إذا كانت مصر وبعد إنشاء جهاز الشئون الأفريقية كانت تصدر الثورة إلى أفريقيا، أم لا ؟ فأجاب:
لم نكن نصدر الثورة إلى أفريقيا، بل كنا نلتقى مع حركات التحرر، ونعطيهم الخبرة المتوفرة لدينا والمساعدات والتدريبات، ولم نكن نضغط على أحد، وكان يوجد فى بعض الأحيان حركات متصادمة وجميعها تلجأ إلى مصر، فكنا نحتكم إلى معيار من يواجه الاستعمار، ومن له الشعبية فنؤيده على الفور.
سألت محمد فايق عن أوجه المساعدات التى كانت تقدمها مصر لهذه الحركات، فأجاب:"حولنا جزء من فائض السلاح لدينا إلى حركات التحرر الأفريقية، وعلى سبيل المثال استفدنا من الأسلحة الإنجليزية التى كانت موجودة فى قاعدة قناة السويس بعد استيلائنا عليها فى العدوان الثلاثى عام 1956، وقمنا بتزويد هذه الحركات بتلك الأسلحة، وتوليت أمر نقلها بطرق مختلفة وغاية فى التعقيد حتى لا ينكشف أمرها، ونجحنا فى ذلك.
انتقل فائق إلى المرحلة التالية لخروج الاستعمار من الدول الأفريقية قائلا :" شهد مطلع الستينات من القرن الماضى استقلال العديد من الدول الأفريقية وخروجها من تحت عباءة الاستعمار، ووجدت هذه الدول نفسها فى أوضاع اقتصادية صعبة بسبب السياسات الاستعمارية التى استنزفت موارد هذه الدول لسنوات طويلة، لكن المثير فى الأمر أن الدول الأفريقية التى تحررت احتفظت مضطرة بعلاقات اقتصادية مميزة مع الدول التى استعمرتها، لكنها فى نفس الوقت كانت تتطلع إلى علاقات جديدة مع دول لا تفرض عليها الهيمنة بل تعزز من استقلالها، وخلقت هذه المساحة من الأمانى الوطنية للقادة الأفارقة الجدد مساحة كبيرة لدى مصر لنسج علاقات اقتصادية تقوم على المصالح المشتركة المتبادلة".
وروى محمد فايق قصة تحمل أكثر من مغزى فى مسألة العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا قائلا: فى وقت من الأوقات تولى" شارماركى " رئاسة الوزراء فى الصومال، وكان صاحب ميول تقدمية تقوم على أسس تحرير الصومال واستقلالها عن دوائر الغرب ودمجها فى المحيط العربى، وكان الموز هو المحصول الرئيسى للصومال وعمودها الاقتصادى، وتحتكره الشركات الإيطالية لأن الصومال كانت مستعمرة إيطالية، وفى يوم من الأيام تلقى الرئيس جمال عبد الناصر رسالة من" شاروماركى" عبر دولة عربية أخرى يستغيث فيها بالبحث عن أسواق بديلة لمحصول الموز لأن الشركات الإيطالية التى تستلمه ترفض استلامه، وأضاف فى رسالته أنه إذا لم يتم العثور على أسواق بديلة سيحدث انهيار، ويكون الطريق ممهدا للقوى التى تريد عدم استقلال الصومال.
يضيف فايق : طلب الرئيس عبد الناصر حضور رئيس الوزراء الإيطالى إلى القاهرة، وفى الاجتماع بينهما قال له الرئيس عبد الناصر سوف نأخذ كل الكمية وأؤكد لك أنه فور إعلان هذا الاتفاق سوف تتراجع الشركات الإيطالية عن موقفها، وأخبرنى الرئيس بالاتفاق وإعلانه فى وسائل فى وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وأثناء عودة رئيس الوزراء الصومالى إلى بلاده وقبل أن يصل إليها تحققت توقعات عبد الناصر، وتراجعت الشركات عن موقفها لكن رئيس الوزراء الصومالى صمم على الدخول فى مفاوضات جديدة لرفع أسعار الموز وكان هذا بفضل مصر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة