عملا بقاعدة "فتش عن الطرف المستفيد"، نوجه الاتهام دائما إلى إسرائيل كطرف مسئول عن أى كارثة تحل بمنطقتنا العربية، وخاصة فى تلك الكوارث الناتجة عن عمليات اغتيال كبرى كتلك التى راح ضحيتها رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى منذ خمس سنوات، ورغم أن هذه القاعدة تحمل قدرا كبيرا من الصواب، إلا أنها غابت عن عملية اغتيال الحريرى، ومن يتذكر هذه الأيام المؤلمة على لبنان وكل المنطقة العربية، سيصل إلى أنها تمت وفقا لسيناريو جاهز أهم ما فيه توجيه الاتهام إلى سوريا فور وقوع الجريمة دون انتظار لنتائج التحقيقات.
كان الاتهام سياسيا أكثر منه فنيا بمعنى ترديده وفقا لقرائن وأدلة قوية، ولم يكن خافيا على أحد أن الجهات التى رددته هى من القوى التى تناصب سوريا العداء، ومع الظروف الدولية والإقليمية التى كانت تمر بها المنطقة وقتئذ، واتسمت بضغوط هائلة على سوريا وحزب الله، اقتربت هذه الاتهامات من دائرة اليقين عند الكثير من الدوائر السياسية العربية الرسمية، والمثير فى الأمر كان تغييب إسرائيل عن الاتهام، وكأنها ليست مستفيدة من قريب أو بعيد مما حدث، برغم سجلها الإجرامى العتيد والتى تستهدف منه الإبقاء على حالة الفوضى الدائمة فى المنطقة، والأكثر إثارة فى هذا الملف أنها وجدت من يدافع عنها، فى مقابل التأكيد على اتهام سوريا وحزب الله، كما فعل سمير جعجع ومن على شاكلته.
خمس سنوات مرت وفقا لما هو مرسوم حتى أول أمس الاثنين الذى عقد فيه حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مؤتمره الصحفى.
ألقى نصر الله قنابل كثيرة فى المؤتمر تابعتها شخصيا مرتين حتى فجر أمس الثلاثاء، أعادت قنابل نصر الله على الحيوية لقاعدة: "فتش عن المستفيد فى جريمة اغتيال الحريرى"، وبدأها بتقديم سجل حيوى عن بعض العملاء اللبنانيين لإسرائيل، ثم تقديمه ما أسماه بالقرائن الظنية التى تصلح لتقديم إسرائيل كطرف رئيسى متهم باغتيال الحريرى، وذلك عبر تقديمه صور جوية لأعمال مسح مناطق كان يرتادها رفيق الحريرى، وأهمها منزله فى قريطم وفى فقرا مرورا بالقصر الحكومى، وكذلك الطرق التى كان يسير منها للوصول إلى هذه المناطق، وقامت إسرائيل بالتقاطها بواسطة طائرات استطلاع قامت باختراق المجال الجوى للبنان، ولكن كيف هذه الصور إلى حزب الله؟.
قال نصر الله إن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية كانت تقوم بالتصوير وترسل مباشرة وهى فى الجو الصور إلى الدوائر الإسرائيلية المعنية، واستطاعت قوات حزب الله أن تخترق بعملية فنية رائعة هذا السر حيث كانت الصور التى ترسلها طائرات الاستطلاع الإسرائيلية إلى إسرائيل يتم إرسالها فى نفس اللحظة إلى حزب الله، مما وفر لدى حزب الله تلك الذخيرة الهائلة من الصور التى تم تصويرها بخصوص الحريرى وغيره، وفى استكماله لطبيعة المشهد ذكرنا نصر الله بحركة طائرات الأواكس الإسرائيلية فى أجواء لبنان يومى 13 و14 فبراير عام 2005 قبل جريمة الاغتيال بساعات.
وكشف نصر الله عن أن هناك عميلا لإسرائيل هرب من لبنان فى عام 2009، وكان هذا العميل متواجدا فى مسرح جريمة الحريرى قبل وقوعها بيوم واحد.
وكشف حسن نصر الله أن قراءة هذه الصور تمت بواسطة نحو مائة وخمسين شابا من حزب الله عكفوا على عملهم فى الأسابيع الثلاثة الأخيرة وأمامهم آلاف الأوراق والصور التى تم التقاطها قبل الجريمة، لتقود فى النهاية إلى هذا الانقلاب فى القضية، وقال الرجل إن هناك أسرارا أخرى سيتم الكشف عنها فى حينها.
القضية برمتها ووفقا لما قاله حسن نصر الله تعيد قراءتها على نحو مختلف، فى هذا التوقيت من مسيرة المحكمة الدولية التى تنظر فى قضية اغتيال الحريرى.
مستجدات نصر الله جاءت أيضا فى توقيت تمر فيه إسرائيل بمرحلة من غضب الرأى العام العالمى بعد جريمتها فى الاعتداء على قافلة الحرية، وتصميمها على الاستمرار فى حصار غزة، وهو ما يعنى مزيدا من الغضب عليها فى حال ثبوت اتهامات نصر الله ضدها ويقينى أنها اتهامات صحيحة رغم أنف سمير جعجع وأعوانه فى الساحة اللبنانية والمتنطعين فى الساحة العربية.
مرة أخرى علينا أن نتذكر أن تغييب قاعدة "فتش عن المستفيد" فى اغتيال الحريرى، وهى إسرائيل لم يكن صحيحا، وعلى كل الذين ساهموا فى تغييبه أن يراجعوا أنفسهم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة