كان حزب الله فى لقطات ومشاهد كثيرة البطل على الساحة العربية والإسلامية وخاصة أثناء تصديه للعدو الصهيونى، ودفاعه المستميت عن لبنان، ووجدت الكثير من الجماهير العربية فيه ضالتها بعد أن رأت حزبا عربيا قادرا على أن يرفع رأسه فى مواجهة الصهاينة.
ولكن الحزب سرعان ما خذل عشاقه فى العالم العربى الذين التفوا حوله ليس بالضرورة حباً فى قائده واتفاقاً مع منهجه وتوجهاته، وإنما بغضاَ فى إسرائيل وتمنى رؤية المصائب والكوارث تحل بالصهاينة المغتصبين لأرض فلسطين، وبحثاً عن قائد يعبر عما يجيش بصدور الناس بعد أن أصبح الحكام العرب أبطالا من ورق انكشفت عوراتهم وانفضحت تصرفاتهم، وكشفت ثورة تونس أنه يمكن سقوطهم بشكة دبوس وذئير الجماهير دون الحاجة إلى دبابات ومدرعات.
إن ممارسات الحزب جعلته لا يختلف عن باقى الأحزاب العربية التى تتشدق بكلمات وشعارات جوفاء لكسب ود الشعوب واستمالة الجماهير للوصول إلى كرسى الحكم، فقد ضل الحزب الطريق إلى تل أبيب ووجد نفسه فى بيروت أكثر من مرة واشتط غضبه واستعرض قوته وسلاحه على اللبنانيين فى كثير من الأوقات، ليؤكد للجميع أنه قادر على السيطرة على الدولة اللبنانية فى لحظات ولكنه لا يرغب فى ذلك، بالرغم من أن هذه الرغبة لم تكن نابعة من الخوف على الدولة اللبنانية ولكنه بالطبع يدرك أن الإقدام على هذه الخطوة والاستيلاء على السلطة قد يكون نهاية الحزب وربما لبنان حيث سيتكالب عليه العالم أجمع.
لذا فإن الحزب يفضل أن يكون دولة داخل الدولة يفعل مايشاء ويتحرك كيفما يريد، يملى إرادته على الجميع، يتهم الحكومة بأنهم عملاء يتلقون الأوامر من الصهاينة والإمبرالية الأمريكية والغرب الملعون الذى لا يكف عن التدخل فى شئون الدولة اللبنانية، دون إدراك أنه يمارس نفس السياسة بشكل علنى فاضح، فقد اعترفت قيادات الحزب مرات عديدة أنهم ينسقون مع القيادات الإيرانية والسورية وأن المرجعية فى كل القرارات والسياسات الخاصة بالحزب تصدر فى إيران وتنفَذ فى لبنان، وأن الدعم الذى يحصل عليه بكل أنواعه إيرانى، إذن تقع جميع التيارات فى لبنان فى نفس المشكلة وهى الاستقواء بالخارج وتنفذ أجندة خارجية لذلك لايجب أن يتباهى أحد فوق الآخر، لأن الجميع يلعبون فى نفس الملعب وإن اختلف المدرب وطريقة اللعب.
لم يفلح الخطيب المفوه حسن نصر الله الذى يخرج علينا كل فترة فى الفضائيات لسرد القصص والحكايات يتوعد فيها معارضيه ويشيد بأنصاره وإنجازته وقدرته التى لا تقهر فى الكشف عن القاتل الحقيقى لرئيس الورزاء السابق رفيق الحريرى، ولم يقدم أدلة دامغة كما ادعى قبل عدة أشهر، وإنما استنفر كل طاقاته لسقوط الحكومة والمحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريرى، دون أن يطرح البديل لهذه المحكمة وكأنه يريد للقتلة أن يفلتوا من العقاب وأن يغلق الملف إلى الأبد.
إذا كان حزب الله ورفاقه أبرياء من دم الحريرى فلن يصيبهم شىء ولن يجرؤ أحد على المساس بهم، وإذا كانوا مدانين فيجب أن ينالوا ما يستحقون، فبمثل هذه التصرفات واستعراض العضلات تدينون أنفسكم وتسقط هيبتكم لدى جماهيركم، وتعيدون للناس ذكرى مافعلته حركة أمل فى عام 1985 عندما قامت باقتحام مخيمات الفلسطينيين بالتعاون مع اللواء السادس الذى كان جميع عناصره من الشيعة وبدعم من الرئيس السورى حافظ الأسد فى قتل فلسطينيى المخيمات، ثم خرج أنصار الحركة يحتفلون بيوم النصر المتمثل فى سقوط مخيم صبرا وشتيلا وقتل الفلسطينيين، لذا يخشى الناس من تكرار الأحداث واشتعال الحرب بين الأطراف اللبنانية.
فلاشك أن الغموض الذى يحيط بلبنان ينبىء بتفتيت الدولة بعد أن ظلت عصية على التفتيت رغم الأزمات المتلاحقة وتحويلها إلى ثلاث دول، أحدهما للسُنة والثانية للشيعة والثالثة للمسيحيين، وخاصة أن إيران والفاتيكان لن يمانعا فى ذلك، بل سيشجعان على هذه الخطوة فى ظل نداءات الفاتيكان المتكررة بحماية مسيحيى الشرق، بينما ستجد إيران امتدادا طبيعيا لها فى المنطقة.
فهل سيرضى سعد الحريرى بإغلاق ملف قتلة أبيه إرضاء لحزب الله ورفاقه، أم سيصر على معاقبة القاتل الحقيقى؟ وهل يرضى حزب الله بذلك أم أنه سيشعل فتيل اللهب لتمزيق لبنان والقضاء على المحكمة الدولية؟ ليبقى القتلة أحرارا، بينما يبقى لبنان أسير الأزمات والصراعات والأطماع الداخلية والخارجية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة