د. رضا عبد السلام

قانون دور العبادة الموحد لا يكفى!!

الأحد، 16 أكتوبر 2011 12:16 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عاش المسلم المصرى إلى جوار أخيه المسيحى المصرى لمئات السنين، يقتسمون لقمة العيش، ويتشاركون فى أفراحهم وأتراحهم. ناضل الجندى المسلم إلى جوار أخيه الجندى المسيحى، واختلطت دماؤهم، وارتوت بها أرض الكنانة، لم يحدث أن كانت مسألة بناء مسجد أو كنيسة محوراً لاهتمام المعتدلين من أبناء هذا البلد.

لقد حل الشقاق والخلاف والتناحر عندما أصيبت أم الدنيا بآفتين: أولاهما آفة الجهل، وثانيهما آفة التطرف. وعندما أتحدث عن الجهل والتطرف فأنا لا أميز فى هذا الخصوص بين مسلم ومسيحى.
ولهذا، وبصفتى أستاذ فى كلية الحقوق ودارس للقانون، أعتقد أن حل المشكلة بين جناحى الأمة المصرية لا يكمن فى إصدار قانون أو تشريع، نعم...يمكن للقانون أن يخفف بعض الشىء من حدة الأزمة، ولكن لا يمكنه القضاء عليها ما دام هناك جهل وتطرف، فالإنسان الجاهل يسهل تسخينه وقيادته وتوجيهه، كما أن الإنسان المتطرف يفتقر إلى الوسطية أو الاعتدال، ولهذا فإن الصراع سيبقى ما بقى مكان للجهلاء والمتطرفين، وإلا فلما طغت المشكلة على الساحة مؤخراً بين شقيقين عاشا لقرون على السراء والضراء.

أتذكر أننى فى قريتى (كفر غنام مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية) وتحديداً منذ نحو ثلاثين عاماً، عايشت وأن طفل واع ومدرك مشهداً لم يغادر ذاكرتى وكأنه اليوم، ففى قريتنا أسرة مسيحية تعمل بالنجارة، وكانت توفر أيضاً كلوبات الإضاءة، والتى ربما لا يعرفها الكثيرون الآن، المهم.. هو أنه كانت هناك حالة وفاة لأحد أبناء القرية من المسلمين، وكانت جثته قادمة من مستشفى بالقاهرة فى منتصف الليل، وكانت الحشود بانتظاره عند مدخل القرية للقيام بدفنه فور وصوله، أنا أتحدث عن حادثة وقعت منذ أكثر من ثلاثين عاماً، أى أن الظلام كان يخيم على قريتنا شأنها شأن أغلب القرى المصرية آنذاك. ما أتذكره بوضوح هو شباب هذه الأسرة المسيحية وهم يطوقون الجنازة، وكل واحد منهم يحمل فوق رأسه كلوباً، ليضىء الطريق للمشاركين فى الجنازة!! لقد كان مشهداً رهيباً وعظيماً، ولكنه كان طبيعياً لأنه لم يكن هناك أحد يثير قضية مسلم أو مسيحى. هكذا كنا وهكذا نحن الآن!!

كانت هناك قيم عظيمة وروابط قوية جمعت أبناء الأمة، لم يكن هناك مكان للتطرف هناك أو هناك، ولهذا سادت روح التسامح والإخاء بين أبناء الأمة. لم يكن هناك مكان لشراذم ينتفضون لتحول مسيحية إلى الإسلام أو العكس!!

وفى المقابل، تابعنا جميعاً جنازة القاتل الكمونى، الذى تم إعدامه لقتله 6 مسيحيين وجندى مسلم، شاهدنا جنازة مهيبة وأعداد رهيبة، وكأنه استُشهِد أثناء فتح عكا، تماماً مثل صلاة الغائب التى أقامها الآلاف على إمام المسلمين أسامة بن لادن!!..إنه الجهل والتطرف..والتطرف لابد وأن يقود إلى تطرف مضاد.. وعلى الجانب الآخر وجدنا مسيحيين ارتموا فى أحضان الغرب، الذى لا يبغى أى خير لبلادنا، وتباروا لإشعال الفتن والتطاول على بلدهم، بدلاً من الاجتهاد لإصلاح ما أفسده المفسدون..!! إنه التطرف والتطرف المضاد والجهل والجهل المضاد، ومن ثم دائرة مفرغة من الخراب والدمار.

ولهذا، فإن قانون دور العبادة الموحدة يشكل فى اعتقادى خطوة على طريق طويل لرأب الصدع وإعادة الروح التاريخية بين جناحى الأمة المصرية، لابد وأن تعود مصر لتقدم نفسها كنموذج للوسطية والاعتدال والتسامح، وهذا لن يتحقق بتحديد عدد الكنائس إلى عدد المساجد، ولكن من خلال تغذية روح الاعتدال والوسطية والقضاء على الأمية الدينية، والأهم من كل هذا عدم إعطاء الفرصة لرموز التطرف فى كلا الجانبين للظهور والتأثير فى الناس واستغلال جهلهم.

حزنت كثيراً وأنا أتابع برنامج الحقيقة مؤخراً وهو يعرض لأخ مسلم وأخ مسيحى، وأخجلنى كثيراً - كمصرى – لغة ومنطق الحوار، لِمَا يصر الشيخ عند حديثه عن الإخوة المسيحيين على مناداتهم بالنصارى. نعم...أشار القرآن إليهم بالنصارى فى عشرات المواضع فى القرآن، ولكن ماذا سيضيرنا نحن المسلمون لو ناديناهم بالاسم الذى يسعدهم وخاصة أن ذِكره ليس خروجاً على جوهر وسماحة الدين؟! إنه الجهل والتطرف والتخشب والرغبة الجامحة فى إشعال الفتن.

فأنت يا من تشعل نار الفتنة وتتعامل مع شركائك فى الوطن بهذا الأسلوب الفظ، هل أنت بهذا تقدم الصورة السمحة لهذا الدين العظيم؟ أهكذا تعامل رسول الله مع غير المسلمين داخل المدينة وخارجها؟ ولهذا فإن قدوتى وقدوة الملايين - كان وسيبقى - رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى ضرب أروع المثل فى احترام وتقدير الآخر، ولولا هذا المنطق الأخلاقى الراقى لما علت لهذا الدين راية!! ولهذا فى رأيى المتواضع، يشكل هؤلاء المتحذلقون والمتشنجون عقبة حقيقية أمام مسيرة هذا الدين العظيم وأمام استقرار الأمة، وما قلته بالنسبة لدعاة التطرف، يقال تماماً بالنسبة لأصوات القطيعة على الجانب المسيحى.
وبناءً عليه، ينبغى أن نعود إلى تاريخنا المشرف ونستزيد منه، بل علينا أن نعود إلى أشهر قليلة مضت وتحديداً خلال أيام الثورة البيضاء، وسنكتشف أننا مساقون خلف حفنة من الجهلاء والمتطرفين فى كلا الجانبين، لا يمكننى أن ألوم طرف وأعفو عن طرف، كلنا مسئولون بجهلنا وانسياقنا خلف دعاة الخراب والقطيعة، فهل نفيق من هذا الكابوس، ونستعيد ماضينا المشرف، لنقدم للعالم مرة أخرى تجربة فريدة للتعايش والحب والسماحة، بحيث نجسد بحق مقولة "الدين لله والوطن للجميع"؟!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة