حمدى الكنيسى

ليس دفاعاً عن المجلس الأعلى

الجمعة، 25 نوفمبر 2011 07:36 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعلم علم اليقين أن ما سأكتبه لن يتقبله البعض -على الأقل فى البداية - لكن الاحتكام إلى المنطق والتحليل العميق، سوف يبرئ ساحتى، ويوضح تماما وجهة نظرى التى قد يتبناها آخرون بما يساهم فى نجاح الحوار الشعبى والرسمى فى الخروج بمصرنا وثورتنا من المأزق الراهن.. وأتوكل على الله وأقول:

لا يختلف اثنان مهما باعدت بينهما الانتماءات والمعتقدات على أن المشير طنطاوى ورفاقه من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد اتخذوا من البداية موقفا وطنيا محترما، فتجاوزوا مشاعرهم الخاصة التى كانت تربطهم - إنسانيا - بالرئيس السابق ورجاله، وانحازوا تماما إلى الشعب، ورفضوا التعليمات والتوسلات من مبارك وذويه كى يقمعوا الثوار ويستخدموا العنف الذى كان سيفوق العنف الذى ارتكبه رجال الأمن، لا يمكن لجاحد أن ينكر هذا الموقف الوطنى النبيل، ولا يمكن لجاحد أن ينكر أن المجلس التزم تماما فى الشهور الأولى بالعمل لتحقيق أهداف الثورة، لكن هذا الالتزام لم يرتفع - مع مرور الوقت - إلى مستوى الواقع الثورى، ونرجع ذلك للأسباب التالية:

1 - من سوء الحظ أن المجلس وثق واستجاب لآراء وفتاوى بعض المستشارين الذين لم تسعفهم ثقافتهم المتخصصة، ولم تحركهم ضمائرهم الوطنية بعيدا عن انتماءاتهم إياها، وأفتى من قيل إنهم فقهاء دستوريون بإجراء استفتاء لم تتسق مواده مع الفكر والمنهج الثورى، وسقط المجلس فى منزلق الدعوة إلى الانتخابات البرلمانية قبل وضع الدستور الذى يحكم الأمور قبل سيطرة أحزاب وجماعات على البرلمان الذى سيتولى - بحكم الاستفتاء - وضع دستور وفق أهوائهم ورغباتهم، كذلك أوحى المستشارون إياهم للمجلس بأنه صاحب القرار أولا وأخيرا وأن الحكومة ليست سوى سكرتارية تنفذ ما تؤمر به.

2 - تعرض المجلس لضغوط القوى السياسية التى اندفعت - للأسف - نحو السعى لاقتناص أكبر قطعة من كعكة الثورة، وأدى اشتعال التنافس بين هذه القوى إلى ارتباك رؤية المجلس، فتأرجحت قراراته بين محاولة استرضاء بعض التيارات، مما شجعها على محاولة فرض آرائها وأفكارها، وبين الاستجابة للقوى الأخرى خاصة ائتلافات شباب الثورة وإن كانت الاختلافات بين هذه الائتلافات قد أضافت إلى ما يربك الرؤية!.

3 - تعرض المجلس لضغوط هائلة من قوى خارجية عربية وأجنبية - ما أعلن منها وما خفى - وبلغت هذه الضغوط ذروتها فى الجوانب الاقتصادية استغلالا لما تعانيه البلاد، سواء ما كان نتيجة لأخطاء النظام السابق وفساده الفاجر أو ما كان يفرضه واقع الثورة من استجابة لبعض المطالب الفئوية الشرعية، وإن كان المجلس قد أخطأ فى الاستجابة السريعة لها.

4 - تعرض المجلس أيضا لضغوط داخلية، فتأخرت استجابته لمطلب التحقيقات العاجلة والناجزة مع مبارك وأسرته ورجاله، ولعل ذلك يرجع إلى مشاعر إنسانية بالرغم من أن أعضاء المجلس تجاوزوها عندما اندلعت الثورة، وكذلك ربما تتمثل هذه الضغوط فى تهديدات خفية بفتح ملفات تدين بعض أعضاء المجلس، علما بأن ما تداولته بعض الأخبار والإشاعات عن أخطاء معينة لهم، كان من الممكن جدا قبولها ونسيانها اعترافا من الشعب بدورهم الوطنى الثورى وكان رصيد المجلس يسمح تماما بذلك.

5 - تلك بعض الأسباب التى أربكت رؤية المجلس الأعلى، وجعلت قراراته وإجراءاته بطيئة ومترددة، مما أثار الريبة والشكوك حولها، لكن المؤكد أن النوايا الطيبة والمواقف الوطنية المعترف بها لا تغفر للمجلس كل ما وقع فيه من أخطاء أفقدت قراراته فعاليتها، خاصة أن منها ما صدر نتيجة لضغوط المليونيات وجاءت متأخرة جدا مثل قانون إفساد الحياة السياسية، ومثل تأخر التدخل الحاسم لإيقاف الاشتباكات فى شارع محمد محمود، فجاء بعد خمسة أيام دامية، وقد أدى ذلك كله إلى ارتفاع سقف المطالب لتمس المشير وأعضاء المجلس، وهذا ما كنت لا أتمناه شخصيا.

والمحزن أن هذا البطء استمر حتى فى أحرج الأوقات، فلو أن هناك مستشارين لهم خبراتهم وثقافتهم لكانوا قد أشاروا على المشير بإلقاء بيانه بمجرد بدء الصدام الدموى بين المتظاهرين والأمن والشرطة العسكرية، كما أن البيان جاء خاليا من الاعتذار والقرارات الحاسمة التى كان المتظاهرون ينتظرونها، وضحوا من أجلها بأرواحهم.

هذه هى الحقيقة - كما أراها - للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولعلها تلقى الضوء على الموقف الشعبى المنتظر منه بما يتفق مع دوره الوطنى، وما وقع فيه ما أخطاء لا تلغى ذلك الدور، ولا تجعلنا لا نتيح له الفرصة لكى يتحرك بشكل أفضل بالثورة نحو تحقيق أهدافها من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية، ونقول له بعد شهور قليلة يكتمل فيها البناء الديمقراطى: «شكرا على ما فعلت.. ومغفرة لما أخطأت».








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة