كل الوزراء فى مصر من ستين وسبعين وأنت طالع، لذلك صعب أن نفهم طالعين فين، لأن هدف الطلوع لهذا الجيل هو الراحة والاستقرار، أما جيل العشرين فيحلم بالطيران، حتى فى اللغة الدارجة بين الطرفين هناك فرق بين (أنا طالع الساحل الشمالى بكره يا ولاد) وبين (أنا هسقط على الساحل بعد ساعتين يا كبير)، فما يعتبرونه طلوعًا يعتبره الطرف الثانى سقوطًا، ومهما كان نوع الصبغة التى يستعملها الوزراء فهى أبعد ما تكون عن مصر الخضراء التى يحلم بها هؤلاء الشباب. إلا أن سن البلوغ السياسى فى مصر يبدأ من السبعين، رغم أنه سن الاستمتاع بالأحفاد، وليس الاستمتاع بالإنجاب، والفرق كبير يفهمه جيدًا جيلى من الذين لم يحصلوا على أحفاد ولا يفكرون فى الإنجاب، وطالع عينهم فى تربية الأبناء.. فرق كبير بين جيل يريد تكوين أسرة جديدة وامتلاك شقة جديدة والحصول على حياة جديدة، وبين جيل يريد الاستقرار والتمسك بما وصل إليه فى كل ذلك، إلا لو كان المناخ السياسى فى مصر يعانى من مراهقة متأخرة ويستعين بالمقويات العسكرية، وهنا يكمن الخطر فى أن يتحول الخلاف إلى صراع، فنحن نتفنن فى اختراع (الآخر) حتى ننهال على أنفسنا ضربًا، وحجم الانقسامات التى شهدها المجتمع المصرى فى الشهور الأخيرة يؤكد أننا لم نتفق على شىء من قبل، وأن لكل منا رؤيته الأنانية جدّا فى مصلحة الوطن، وما ينتج عنها لمصالحه الشخصية حتى أن الأسرة المصرية انقسمت على نفسها ما بين حفيد ثورى وأب فلولى وجد إخوانى وأخت علمانية وأخ فئوى وأم (مش عارفة تُؤكل الناس دى كلها منين)، فخرج بعضهم إلى التحرير وخرج البعض للعباسية وجلس البعض فى الجامع، والأغلبية مازالت هائمة جائعة فى الشارع.. إلا أن هذا الانقسام لم يقف عند حدود الأسرة المصرية، بل وصل إلى الأسرة الملكية، فنحن نواجه تعددية متناقضة فى اتخاذ القرار والصلاحيات، فهناك المجلس العسكرى ومجلس وزراء الإنقاذ الوطنى والمجلس الاستشارى ومجلس الشعب المنتخب ومجلس الشورى المرتقب والمجلس الأعلى لصياغة الدستور والجمعية التأسيسية لصياغة نفس الدستور.
أتصور أننا نحتاج لثلاثين سنة أخرى حتى نخرج بقرار واحد من وسط كل هؤلاء الأكابر، إلا لو كان الهدف أن تصل أجيال العشرينيات إلى هذا الجيل لحين اتخاذ قرار.. هذه التعددية المتناقضة فى اتخاذ القرارات لا يمكن وصفها إطلاقًا بأنها إرادة شعبية، بل هى رداءة سياسية متعمدة لتأخير الوصول إلى أى قرار حتى أننا كلما اقتربنا من الوصول إلى حل اكتشفنا أنه مجرد (تخبيط حلل) بين هذه الأطراف.
أصبح المطبخ السياسى فى مصر مزعجًا وكله عك، والطباخ (محدش فاهم أكله) وكل الروائح (مقرفة) لا تبشر بوليمة جماعية، بل بمذبحة القلعة، والتاريخ يعرف جيدًا حقيقة مذبحة القلعة، كما يعرف أنه خدعنا حينما وصف محمد على باشا بأنه رائد النهضة المصرية لأنه كان يصنع مصر الحديثة لأولاده لا لأولاد الوطن، فكان يوصى ابنه ولى عهده بأن المصريين مثل العنب يجب عصره بقوة حتى يخرج النبيذ، ومن يومها لم يكف الحكام عن عصر شعب مصر للاستمتاع بهذا النبيذ القذر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محب
أسلوبك منعكش و جميل سأتابعك دائما...
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندسة مها
ليبرالى = رغى فى التلفزيونات + خطاب إستعلائى + غباء سياسى + مقالات فارغة = فشل إنتخابى
عدد الردود 0
بواسطة:
محاسب محمود
الشعب المصرى يثبت أنه لا يحتاج وصاية من ميدان أو من أشباه سياسيين يا أستاذنا
عدد الردود 0
بواسطة:
كيميائى عبد العال
ندرة التعليقات على مقالك تعلمك أن مقالك بلا قيمة و لا جدوى و مجرد رغى ! راجع نفسك!
التعليق فى العنوان
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد صبري
الناس دي بتعلق من غير ما تقرأ المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
هالة عمر
مقال رائع و تحليل ساخر و دقيق
الله عليك