أخيراً وبعد تسعة عشر يوماً من الثورة تم الإفراج عن مصر من أسر نظام حسنى مبارك وزبانيته وأعوانه، وسيبقى يوم الحادى عشر من فبراير يوماً خالد فى تاريخ مصر على مر العصور بفضل شباب مصر الأبرار الذين كشفوا عورات الأحزاب والقوى السياسية، وأسقطوا أقوى النظم الفاسدة ونزعوا الخوف من قلوب الناس بثورة بيضاء لم يسقطوا فيها قطرة دماء، بالرغم من قيام البلطجية وشرطة حبيب العادلى بقتل 300 شخص منهم.
لقد تجلت أبهى صور الثورة المجيدة فى التلاحم بين كل فئات الشعب، وإظهار التعاضد الضارب فى أعماق التاريخ بين المسلمين والمسيحين، وسقوط الشعارات الفئوية وإعلاء مصر فوق الجميع، وليس الأهلى والحزب الوطنى كما كان يحدث على مدار السنوات الماضية.
إن ثورة 25 يناير المجيدة أفرزت إرادة جديدة وأزاحت طبقة التراب المتراكمة على معدن الشخصية المصرية النفيس، فقد حاول المتطفلين والمتسلقين أن يسرقوا الثورة بمساعدة النظام الراحل الذى جلس يتفاوض مع أحزاب لم يسمع عنها أحد ولا قيمة لها ولا وجود لها فى الشارع على الإطلاق، وفتح لهم أنس الفقى وزير الاعلام الفضائيات المصرية ليمدحوا النظام ويمجدوا أفعاله وظل الجميع يكذب على طريقة جوزيف جوبلز وزير اعلام هتلر على أمل أن يصدقه الناس، حتى قال أحد رؤساء الأحزاب التى لا يعرفها الناس أن نظام مبارك أغرق الشعب فى الخير والنعيم ويجب أن يكون الشعب حافظاً للجميل وليس ناكراً للعرفان، وكأن الرئيس هو الآله الذى يهب الشعب من خزائنه ويغدق عليهم من ثرواته الخاصة، قبل أن يكتشف الجميع أن النظام كان يدير مصر وكأنها عزبة فى عهد الإقطاع يملك فيها عدة اشخاص كل شىء وباقى الشعب يعملون فى خدمتهم فقط.
إن ثورة الشعب البيضاء يحب ألا يتوقف زائيرها عند سقوط النظام، بل الأهم هو بناء مصر الجديدة بالشكل الذى يحلم به الشباب ويتطلع إليه الجميع، حتى لا تصبح الثورة مجرد تغير فى الأسماء، فقد زرع النظام السابق الكثير من الأفكار البالية وأرسى العديد من القيم الهزيلة والسلوكيات الرديئة حتى جعل الناس يتباهون فيما بينهم بمن لدية واسطة أكبر من الآخر لإنجاز أعماله، وأن الرشوة شطارة ، وسرقة المال العام خفة يد ومهارة، والقفز فوق النظام فى كل المؤسسات الحكومية إبداع، وازلال الموظفين للمراجعين وجبة يومية لابد أن يتذوقها الشعب، وقتل وتعذيب الناس فى أقسام الشرطة كأس لابد أن يشرب منه الجميع باستثناء أصحاب الواسطات.
إن كل هذه التصرفات والسلوكيات التى زرعها النظام فى نفوس الناس على مدار 30 عام يجب أن تسقط مع سقوط النظام الراحل وأن تكون مصر جديدة فى القيادة والفكر والسلوك وليست جديدة فى الأشخاص فقط، إن شباب مصر ورجال الثورة هم الضمان والطريق لحدوث كل هذه التغيرات، فقد أفرزت هذه الثورة الكثير من القيم النبيلة التى شاهدها العالم فى ميدان التحرير.
إن الثورة كشفت أن حجم المنافقين المنتفعين من النظام يغيرون آرائهم مثل تغير جواربهم، فبعد أن ظلوا يزينون لمبارك سوء أعماله ويبثون سمومهم فى نفوس الشعب المصرى ويتشدقون بأن الشعب المصرى ليس لديه ثقافة التظاهر والتعبير عن الرأي، فجأة تغيرت آرائهم وبدأوا يهاجمون النظام بعد أن تأكدوا أنه من بقايا الماضي، ولكن الثورة كشفت نفاقهم وأطاحت بنظامهم عندما نزل المصرين إلى الشارع على مدار 19 يوماً فى ملحمة تاريخية لم يشهدها لها العالم مثيل دون أن يطلقوا رصاصة أو يمارسوا سلوك خاطئ، باستثناء أفعال البلطجة التى مارسها النظام على المتظاهرين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة