لم تخرج ثورة 25 يناير من سياقها التاريخى لكل ثورات العالم الخاص، بأن الشباب هم وقود الثورة الحقيقى وطليعتها الرئيسية.
فى معظم الثورات التاريخية الكبرى إن لم يكن كلها، سنجد الشباب هم كلمة السر فيها، هم الذين فجروها، وهم الذين وقفوا أمام آلة القمع التى حولت إجهاضها، وهم الذين قادوا البناء بعدها، حدث هذا فى الثورة البلشيفية، والثورة الكوبية والثورة الفرنسية، وفى الصين، وحدث هذا فى بعض الدول العربية مثل الثورة الجزائرية، وثورة يوليو فى مصر عام 1952.
فى ثورة يوليو مثلا، كان عمر جمال عبد الناصر وقت قيام الثورة 34 عاما، وكان من أعضاء قيادة الثورة من هم أصغر من جمال عبد الناصر سنا، وهناك من الوزراء الذين اختارهم عبد الناصر من كانوا صغار السن أيضا مثل الدكتور عزيز صدقى أبو الصناعة المصرية، والذى تولى وزارة الصناعة وعمره 34 عاما، والدكتور مصطفى خليل الذى تولى وزارة المواصلات وهو فى مطلع الثلاثين من عمره، وكذلك الدكتور عبد المنعم القيسونى فى الاقتصاد، ومحمد فائق الذى انطلق إلى أفريقيا وهو فى الثلاثينات من عمره، وانعكس هذا على باقى الحالة العامة فى كافة الميادين، فعبد الحليم حافظ وجيله من كمال الطويل ومحمد الموجى وبليغ حمدى انطلقوا وهم فى العشرينيات من عمرهم، وفى الشعر والأدب جاء عبد الرحمن الأبنودى وصلاح جاهين ويوسف إدريس وغيرهم.
سارت فترة الرئيس مبارك على العكس من ذلك تماما، لتصبح الشيخوخة هى عنوان كل شىء، ورأينا فى ذلك سن قوانين جديدة من أجل الإبقاء على من حل عليهم سن المعاش، حدث ذلك فى الصحافة والقضاء وميادين أخرى كثيرة، حتى أصبح الوضع هو إبقاء كل فى مكانه، فى مقابل ضياع فرصة الشباب فى القيادة، وكان هذا يتم تحت مبررات بائسة تتمثل فى ضرورة الحفاظ على الخبرات، لكن هذا التبرير كان فى حقيقته إعدام للشباب فى كل شىء، وأمام ذلك كانت أى كفاءة تبحث عن مخرج لها إما بالهجرة، أو العمل فى غير تخصصها، حتى أصبحت مصر وطنا للشيوخ، وليس وطنا للشباب.