إذا كانت الست (مرجانه) قد تعجبت من قصص على بابا عن عصابة الأربعين حرامى وضربت كفا على كف.. فإنها بالتأكيد ستلطم حينما تسمع عن عصابة (الأربعتلاف حرامى) التى لهفونا فى عصر الرئيس السابق.
أمر مؤسف أن تنتهى علاقة ثلاثين عاما بنظرة خجل و( صفعة قلم).. فحتى لو أنصف القضاء ذمتك سيادة الرئيس فأنت مدان لأنك كنت تختار حولك أسوأ من فينا.. نحن نعجز عن العثور على شريف واحد, محترم واحد بين المئات من رجالك.. جميعهم يتساقطون الآن فوق بعضهم (كالخرفان) مربوطين بخيط متين من الفساد.. لا نعرف أين بدايته وأين نهايته.. هؤلاء النصابين المحترفين والمجرمين (الأرارى) كيف جمعتهم حولك سيادة الرئيس؟! وكيف جاء كل واحد فيهم فاسدا فى مكانه بهذا الشكل المقنن الدقيق؟!
فى علم الجريمة.. يقال إن الأسوأ فى المجرمين هم من يقومون بالجريمة عن غير احتياج.. يسرق وهو الأغنى بين الجميع، ينصب وهو يمتلك كل شىء.. يقتل للقتل وبلا أسباب.. كيف جمعت هذه النخبة الإجرامية النادرة وأين تدربوا على تلك الأنماط الغريبة من الفساد والاستحلال والاستهبال.. لم يتركوا شيئا إلا وتاجروا فيه وباعوه وباعونا ألف مرة.. أحد العباقرة اخترع نكتة قبل الثورة يقول فيها إن الرئيس السابق سأل رئيس وزرائه عن حال الشعب المصرى فأجابه بأن خطة السيطرة مستمرة والشعب (يأكل فى التراب) فسأله الرئيس (مين خد توكيلات التراب ده علاء ولا جمال).
هذا الفساد لم يقف عند حدود الأراضى والبترول والخصخصة بل وصل إلى أرواحنا، فحتى تلك اللحظة لم نعرف من المسئول عن قرار إطلاق النار علينا فى 25 يناير.. المئات من شهدائنا كانوا يموتون فى كافة المحافظات بعشوائية بلا قرار واضح أو ترصد صريح وكأن القتل متعة.. كيف هان على رجالك أن يصوبوا رصاصهم على أطفال فى الخامسة عشر وبنات لم يكملوا العشرين؟
عمرى 36 عاما.. استلمتنى وأنا 6 سنوات، تربيت وترعرعت وصورتك فى بهو المدرسة ومدرجات الجامعة وكافة الصحف والمجلات حتى ميكى.. كنت أشاهدك كل يوم فى القناة الأولى أو الثانية وحتى فى السينما قبل أن تبدأ الأفلام.. تعلمت من مناهج عجيبة، وضعها رجالك، وكنت أحفظ الفلسفة التى تفهم ولا تحفظ لأنجح فى الجامعة بمعايير رجالك.. وطالما رددت ساخرا أغنيتك الشهيرة (ده تكليف مش تشريف).. وأتصور أنها بالفعل مرحلة غير مشرفة بالمرة.
أذكر أنى قد كتبت منذ عامين تقريبا مقالا فى جريدة الفجر حول اختيار القيادات فى مصر قلت فيه إن أقدم عملاء الولايات المتحدة الأمريكية فى الاتحاد السوفيتى كان يشغل منصبا إداريا هاما فى مؤسسة الرئاسة، وكان مستشار الرئيس فى اختيار القيادات والمسئولين.. وحينما انكشف الرجل وعرفوا أنه جاسوس لأمريكا استجوبوه فى تحقيقات موسعة، واكتشفوا فى النهاية أنه لم يكن ينقل معلومات أو وثائق بل كان دوره الوحيد هو أن يختار دائما الأسوأ.. فإذا تم ترشيح عشرة أشخاص لوزارة مثلا فإنه يختار أسوأهم ويرشحه ويدعمه أمام الرئيس السوفيتى.. فهل يمكن أن نعرف الآن من كان يقوم بهذا الدور فى مصر ولصالح من؟ وقلت أيضا أن كتاب المفكر العظيم خالد محمد خالد (رجال حول الرسول) لا يمكن أن نصفه بأنه كتاب عن سيرة الصحابة والقصص الدينية فقط بل هو كتاب سياسى رفيع يوضح كيف يختار القائد رجاله، وكيف يجمع الصالحين والنابغين والعلماء والمحاربين من حوله.. فأتمنى أن يقرأ الرئيس القادم لجمهورية مصر العربية هذا الكتاب، وأن يتعلم كيف يختار رجاله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة