قطب العربى

نعم قوية للتعديلات الدستورية

الأربعاء، 16 مارس 2011 07:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا خلاف بين المؤيدين والرافضين للتعديلات الدستورية حول ضرورة إصدار دستور جديد بالكامل، يعكس وجه مصر الجديد بعد ثورة 25 يناير المجيدة، ولا فارق زمنى كبير لإنجاز هذا الدستور بين من يطالب به الآن ومن يؤجله إلى ما بعد الاستفتاء على التعديلات الحالية، إذ سيستغرق إعداد الدستور فى الحالتين حدود العام ونصف العام، الخلاف فقط فى طريقة الوصول إلى هذا الدستور الجديد بين من يطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشكيل جمعية تأسيسية للدستور الجديد حالاً مع تجاهل التعديلات المقترحة، ومن يمنح هذا الحق لمجلس نيابى منتخب شعبياً بدون تزوير أو إقصاء ضمن حزمة التعديلات المقترحة، والتى تحدد جدولاً زمنياً للمجلس النيابى المنتخب لا يتجاوز 6 أشهر لاختيار الجمعية التأسيسية التى ينبغى أن تنهى عملها فى إعداد دستور جديد أيضا خلال 6 أشهر أخرى.

ورغم ما تضمنته التعديلات المقترحة من مكاسب لم نكن نحلم بها من قبل، مثل قصر مدة الرئاسة على 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، أى بحد أقصى 8 سنوات، وإعادة الإشراف القضائى الكامل، والتصويت بالرقم القومى، وإلغاء مادة "سيد قراره"، وفرض قيود مشددة على إعلان حالة الطوارئ، وفتح باب الترشح للرئاسة بشروط أكثر مرونة، رغم كل هذه المكاسب العظيمة، إلا أن إصدار دستور جديد بالكامل يبقى واجباً لا فكاك عنه.

أستغرب جداً من نخبة وقوى سياسية تدعو الجيش للبقاء فى السلطة فترة أطول، حتى تتمكن هذه القوى من إعادة ترتيب صفوفها لخوض الانتخابات، بينما يصر المجلس العسكرى على العودة إلى ثكناته عقب انتهاء الفترة الانتقالية التى حددها لنفسه بـ6 أشهر، بناءً على مطالب قوية لتلك القوى ذاتها من قبل.

الذين يطالبون بمد الفترة الانتقالية، سواء لمدة 6 أشهر أو سنة، حتى تستطيع القوى الجديدة التى ولدت من رحم الثورة أن تبنى نفسها، وتكون جاهزة لمنافسة القوى القديمة يخطئون مرتين، أولا لأن هذه الفترة ليست كافية لخلق قوى جديدة من العدم، أما القوى الشبابية الثورية التى لها جذور قبل 25 يناير فهى مؤهلة للمنافسة من الآن وفوراً، أما الخطأ الثانى فهو أن هذه الانتخابات النيابية والرئاسية لن تكون آخر الانتخابات، بل ربما يتم وضع نص انتقالى فى الدستور الجديد ينهى عمل المجلسين ورئيس الجمهورية، ويدعو لانتخابات جديدة، وفق الدستور الجديد، والذى قد يتضمن نظاماً برلمانياً أو رئاسياً أو شبه رئاسى، وقد يلغى وجود مجلس الشورى تماماً.

الذين يطالبون بمد الفترة الانتقالية للمجلس العسكرى يتجاهلون أن الجيش لديه مهام رئيسية أخرى، هى حماية الحدود وليس مواجهة البلطجة، وتسيير المرور وفض الاعتصامات السياسية أو الفئوية، أو معالجة الفتن الطائفية، وينسون أن حدودنا ملتهبة شرقاً وغرباً وجنوباً حتى أعماق أفريقيا، حيث منابع النيل، وما تتعرض له مصر من مؤامرات خسيسة لخفض حصتها من المياه، وقد تتعرض حدودنا الشرقية أو الغربية لمغامرات طائشة تستغل هذا الانشغال بالداخل لتحقيق مكاسب سريعة يصعب تداركها، والحمد لله أن قيادة قواتنا المسلحة، ممثلة فى المجلس الأعلى، تدرك هذه الحقائق جيداً، وتريد العودة إلى مهمتها الحقيقية سريعاً، ولا تطمع حتى الآن فى سلطة سياسية، بل تشجع المدنيين على استلام هذه السلطة فوراً.

إن المطروح الآن من تعديلات يضع تصوراً متكاملاً، سواء من الناحية الشكلية أو الزمنية للانتقال السلس للسلطة، ولوضع دستور جديد يحدد شكل نظام الحكم المقبول فى مصر مستقبلاً خلال مدة عام من انتخاب المجلسين النيابيين، أما الذين يرفضون هذا التصور فهم لا يضعون تصوراً بديلاً متكاملاً، بل تجد البعض يطالب بانتخاب الجمعية التأسيسية لدستور من الشعب مباشرة، أو باختيارها من قبل المجلس العسكرى، أو مجلس الوزراء، كما أنهم لا يقدمون تصوراً متماسكاً لشكل وآلية عمل المجلس الرئاسى البديل للمجلس العسكرى، وكيف سيتم اختيار أعضائه، وكيف يمارس السلطة، وكيف يتعامل عند الخلاف فى وجهات نظر أعضائه، خصوصا بين الطرف المدنى والطرف العسكرى، صاحب القوة الفعلية، كما أن المطروح الآن هو أقصر الطرق وأوضحها للتعديل الشامل، وهو الشىء الممكن حالياً، وهو إلى جانب ذلك ينقلنا سريعاً من حالة الفوضى السياسية والأمنية التى نعيشها، والتى تمثل تربة خصبة للانفلات الأمنى وأعمال البلطجة التى يعانى منها الكثيرون، والتى قد تتصاعد حال تمديد الفترة الانتقالية لشعور هؤلاء البلطجية ومن يحركهم بضعف الدولة وعدم جاهزية القوى السياسية لإدارة شئون البلاد.

لا يصح فى هذا المجال أن يتحجج الرافضون ببعض الأمور الفنية أو الأمنية، كالقول بأن انتخابات مجلسى الشعب والشورى وفقا للدستور القديم ستنتج مجلساً يضم 505 من العمال والفلاحين، وهم يعلمون أن هذا النص تم إفراغه من مضمونه منذ زمن بعيد، حيث يترشح بصفة الفلاح كل لواءات الشرطة وبصفة العامل الكثيرين من رجال الأعمال وكبار الموظفين فى الدولة، وحتى أساتذة جامعات، كما لا يصح ترديد أن الانتخابات ستتم بكوتة محددة للمرأة، وكأنهم يقفون ضد المرأة، أما الادعاء بعدم جاهزية قوات الأمن لتأمين اللجان الانتخابية فمردود عليه بقدرة القوات المسلحة على هذا التأمين.

يبقى الخوف الحقيقى الذى يبديه البعض علانية، فيما يسره البعض الآخر، وهو الخوف من سيطرة الإخوان المسلمين على غالبية مقاعد البرلمان بمجلسيه حال إجراء الانتخابات خلال الشهور القليلة المقبلة، وذلك بسبب عدم جاهزية القوى الجديدة على المنافسة الآن، وهو خوف غير مبرر لعدة أسباب، منها أن هذه القوى كما ذكرنا من قبل ستتمكن من المنافسة إذا كان لها حضور سياسى وجذور سياسية يسارية أو ليبرالية سابقة على ثورة يناير، أما عديمو الجذور ممن يوصفون بأنهم "غير مسيسين" فهؤلاء لن يكفيهم حتى 5 أعوام لبلوغ سن الرشد، وثانيا لأن الإخوان أعلنوا بشكل صريح أنهم لن يسعوا إلى أغلبية برلمانية فى الوقت الحالى، بل إنهم سيكتفون بتمثيل بحدود 35% فقط تاركين نسبة 65% لبقية الشعب وقواه السياسية، وثالثا لأن الإخوان أيضا دعوا إلى قائمة موحدة للقوى السياسية الحية، بما فيها شباب الثورة لخوض الانتخابات معا بدون توتر، وهذه القائمة كفيلة بتمثيل الجميع بشكل عادل، وكفيلة بتخفيف أجواء الاحتقان الانتخابى أو حتى إلغائها تماما، وقد دعا الإخوان لجولة حوار جديدة مع القوى السياسية يوم الأربعاء 16 مارس حول التعديلات الدستورية والقائمة الموحدة، وهذه فرصة للتوافق بين القوى السياسية جميعها.

أخيرا وبعد كل هذه التبريرات للموافقة على التعديلات الدستورية، يبقى من حق الشعب أن يصوت بـ"نعم" أو "لا"، وعلينا أن نتقبل نتائج الاستفتاء الديمقراطى، وأعتقد أنه سيكون أمراً مبهجاً أن يصوت الشعب بـ"نعم" بنسبة 51% فقط أو بـ"لا" بالنسبة ذاتها، وسيكون ذلك هو أول ثمار ديمقراطية 25 يناير.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة